وعلى الجملة : سوف نذكر في مبحث المطلق والمقيد إن شاء الله (١) أنّ ظهور المطلق في الاطلاق كما يتوقف حدوثاً على عدم دليل صالح للتقييد كذلك بقاءً ، حيث إنّ ظهوره يتوقف على جريان مقدمات الحكمة ، ومن الواضح أنّها لا تجري مع وجود الدليل الصالح للتقييد ، والمفروض أنّ دليل المقيد يكون صالحاً لذلك عرفاً. ومما يدل على أنّ حمل المطلق على المقيد لا يبتني على دلالة القضية الوصفية على المفهوم ، هو أنّه يحمل المطلق على المقيد حتى في الوصف غير المعتمد على موصوفه ، كما إذا ورد في دليل : أكرم عالماً ، وورد في دليل آخر : أكرم فقيهاً ، يحمل الأوّل على الثاني مع أنّه لا يدل على المفهوم أصلاً.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة : وهي أنّ النكتة التي ذكرناها في القضية الشرطية لدلالتها على المفهوم عرفاً ـ وهي تعليق الحكم فيها على الشرط تعليقاً مولوياً ـ غير متوفرة في القضية الوصفية ، حيث إنّ الحكم فيها غير معلّق على الوصف ، يعني أنّ الوصف ليس قيداً للحكم كالشرط بل هو قيد للموضوع أو المتعلق ، ومن المعلوم أنّ ثبوت الحكم لموضوع خاص لا يدل على انتفائه عن غيره. فما ذكرناه لحدّ الآن هو المعروف والمشهور بين الأصحاب في تقرير المسألة.
ولكنّ الصحيح فيها هو التفصيل ، بيان ذلك : أنّ النزاع في دلالة الوصف على المفهوم تارةً بمعنى أنّ تقييد الموضوع أو المتعلق به يدل على انتفاء الحكم عن غيره ، فلو ورد في الدليل : أكرم رجلاً عالماً يدل على انتفاء وجوب الاكرام عن غير مورده ، يعني عن الرجل العادل أو الفاسق أو الفقير أو ما شاكل ذلك ولو بسبب آخر. واخرى بمعنى أنّ تقييده به يدل على عدم ثبوت الحكم له
__________________
(١) لاحظ ص ٥٣٦.