ومن الواضح أنّ الاطلاق والتقييد من الخصوصيات الطارئة على الماهية التي وضع اللفظ بازائها ، فهما خارجان عن حريم المعنى الموضوع له ، وهذا هو المعروف بين المتأخرين وهو الصحيح ، وعليه فالتقييد لا يستلزم المجاز ، فانّ اللفظ استعمل في معناه الموضوع له ، والتقييد مستفاد من دال آخر ، بل لو كان موضوعاً للمطلق بمعنى اللا بشرط القسمي كما هو المعروف بين القدماء فأيضاً لا يستلزم التقييد المجاز ، فانّ المراد الاستعمالي منه هو المطلق واللفظ قد استعمل فيه ، والتقييد إنّما يدل على أنّ المراد الجدي هو المقيد دون المطلق ، ولا يدل على أنّ اللفظ قد استعمل في المقيد ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّ المحمول تارةً يكون من المعقولات الثانوية كقولنا : الانسان نوع والحيوان جنس والضاحك عرض خاص وهكذا ، ففي مثل ذلك فالموضوع هو الماهية ولا ينطبق على الموجود الخارجي ، لوضوح أنّ زيداً مثلاً ليس بنوع ، والبقر ليس بجنس ، وضحك زيد ليس بعرض خاص وهكذا ، فلا يسري المحمول إلى حصصه وأفراده في الخارج ، فهذا القسم خارج عن محل الكلام هنا ـ وهو البحث عن إطلاق الموضوع وتقييده ـ وتارة اخرى يكون المحمول من غيرها مما هو قابل السراية إلى حصص الموضوع وأفراده في الخارج ، وهذا القسم هو محل الكلام في المقام.
وعلى ذلك فالموضوع أو المتعلق لا يخلو من أن يكون مطلقاً بمعنى الارسال أو مقيداً بأمر وجودي أو عدمي ، فإن كانت هناك قرينة شخصية على أحدهما فهو ، وإن لم تكن قرينة كذلك فهل هنا قرينة عامة على تعيين أحدهما أو لا ، فقد ذكروا لتعيين الاطلاق قرينةً عامةً تسمى بمقدمات الحكمة ، فان تمّت تلك المقدمات ثبت الاطلاق وإلاّ فلا. ويعتبر في تمامية هذه المقدمات امور :
الأوّل : أن يكون المتكلم متمكناً من البيان والاتيان بالقيد وإلاّ فلا يكون