القرآن جميع الناس إلى أن تقوم الساعة من الحاضرين والغائبين والمعدومين ، والنكتة في ذلك أنّ القرآن لا يختص بطائفة دون طائفة وبزمان دون زمان ، بل هو يجري كما يجري الليل والنهار وكما تجري الشمس والقمر ، ويجري على آخرنا كما يجري على أوّلنا (١) ولا يمكن القول بأنّ المقصود بالافهام من خطاباته هم الحاضرون في مجلس التخاطب دون غيرهم ، حيث إنّه لا يناسب مكانة القرآن وعظم شأنه وأ نّه كتاب إلهي نزل لهداية البشر جميعاً ، فلا محالة يكون المقصود بالافهام منها جميع البشر ، غاية الأمر أنّ من يكون حاضراً في مجلس التخاطب يكون مقصوداً بالافهام من حين صدورها ، ومن لم يكن حاضراً أو كان معدوماً فهو مقصود به حينما وصلت إليه الآيات والخطابات.
ثانيتهما : أنّه على القول بالعموم والشمول يصح التمسك بعمومات الكتاب والسنّة بالاضافة إلى الغائبين
والمعدومين كقوله تعالى مثلاً : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ )(٢) فانّه لا مانع من التمسك بعمومه على هذا القول لاثبات وجوب السعي لهما.
وأمّا على القول بالاختصاص وعدم العموم فلا يصحّ التمسك بها ، لفرض أنّ وجوب السعي في الآية عندئذ غير متوجه إلينا لنتمسك بعمومه عند الشك في تخصيصه ، بل هو خاص بالحاضرين في المجلس فاثباته للمعدومين يحتاج إلى تمامية قاعدة الاشتراك في التكليف هنا ، وهذه القاعدة إنّما تثبت الحكم لهم إذا كانوا متحدين مع الحاضرين في الصنف. وأمّا مع الاختلاف فيه فلا مورد لتلك القاعدة ، مثلاً الحكم الثابت للمسافر لا يمكن إثباته بهذه القاعدة للحاضر
__________________
(١) كما ورد في البحار ٣٥ : ٤٠٣ ذيل الحديث ٢١.
(٢) الجمعة ٦٢ : ٩.