وأمّا إن كان كل منهما متكفلاً لحكم إلزامي فيدخل في دوران الأمر بين المحذورين حيث يدور أمره بين وجوب الاكرام وحرمته ، فهل المرجع فيه أصالة التخيير عقلاً أو أصالة البراءة؟ الأظهر هو الثاني فيما إذا كانت الواقعة واحدةً لا مطلقاً على تفصيل يأتي في محلّه (١).
وأمّا إذا كان المخصص المجمل منفصلاً ودار أمره بين الأقل والأكثر كما إذا قال المولى : أكرم العلماء ثمّ قال : لا تكرم الفسّاق منهم وفرضنا أنّ مفهوم الفاسق مجمل ومردد بين فاعل الكبيرة فقط أو الأعم منه ومن فاعل الصغيرة ، فلا يكون إجماله مانعاً عن التمسك بعموم العام ، حيث إنّ ظهوره في العموم قد انعقد ، والمخصص المنفصل كما عرفت لا يكون مانعاً عن انعقاد ظهوره فيه ، وعليه فلا محالة يقتصر في تخصيصه على المقدار المتيقن إرادته من المخصص المجمل ، وهو خصوص فاعل الكبيرة فحسب ، وأمّا في المشكوك ـ وهو فاعل الصغيرة في المثال ـ فبما أنّ الخاص لا يكون حجةً فيه لفرض إجماله ، فلا مانع من التمسك فيه بعموم العام حيث إنّه حجة وكاشف عن الواقع ، ولا يسري إجمال المخصص إليه على الفرض.
وإن شئت قلت : إنّ المخصص المنفصل إنّما يكون مانعاً عن حجية العام وموجباً لتقييد موضوعه في المقدار الذي يكون حجةً فيه ، فان لم يكن مجملاً فهو لا محالة يكون حجةً في تمام ما كان ظاهراً فيه ، وإن كان مجملاً كما في محل الكلام فهو بطبيعة الحال إنّما يكون حجةً في المقدار المتيقن إرادته منه في الواقع دون الزائد ، حيث إنّه كاشف عن هذا المقدار فحسب دون الزائد عليه ، وعلى الأوّل فهو يوجب تقييد موضوع العام بالاضافة إلى جميع ما كان ظاهراً فيه ،
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ : ٣٨٣.