ولنأخذ بالمناقشة فيما أفاده قدسسره وهي أنّا قد حققنا سابقاً أنّ كون أحد الخطابين مشروطاً بترك امتثال الآخر وعدم الاتيان بمتعلقه لم يرد في لسان دليل من الأدلة ، لنقتصر على مقدار مدلوله ونأخذ بظاهره ، بل هو من ناحية حكم العقل بعدم إمكان تعلق الخطاب الفعلي بأمرين متضادين إلاّعلى هذا الفرض والتقدير ، ضرورة استحالة تعلقه بكل منهما فعلاً وفي عرض الآخر.
والوجه في ذلك : هو أنّ العقل مستقل بلزوم حفظ خطاب المولى بالمقدار الممكن ، وعدم جواز رفع اليد لا عن أصله ولا عن اطلاقه ما لم تقتضه الضرورة ، وهذا ظاهر.
وعلى أساس ذلك بما أنّ في مقام المزاحمة بين التكليفين لا يتمكن المكلف من التحفظ على كليهما معاً ، فلا مناص من الالتزام برفع اليد عن أحدهما والأخذ بالآخر إذا كان ذلك الآخر واجداً للترجيح ، فانّ هذا غاية ما يمكنه. وأمّا إذا لم يكن واجداً له فلا مناص من الالتزام بالتخيير بناءً على ما حققناه من إمكان الترتب وجوازه ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : قد تقدّم منّا غير مرّة أنّه لا فرق في نظر العقل بين تفويت الواجب الفعلي وتفويت الملاك الملزم في ظرفه ، فكما أنّه يحكم بقبح الأوّل ، فكذلك يحكم بقبح الثاني.
ومن ناحية ثالثة : قد حققنا في بحث الواجب المطلق والمشروط (١) أنّه لا مانع من الالتزام بالشرط المتأخر ، بل لا مناص عنه في المركبات التدريجية كالصلاة وما شاكلها ، كما تقدّم هناك.
فالنتيجة على ضوء هذه النواحي الثلاث : هي أنّ في صورة كون التكليفين
__________________
(١) في المجلد الثاني من هذا الكتاب ص ١٣٥ مبحث الشرط المتأخر