المرجّح ظنّا لا يلزم كون التّرجيح ظنّيّا (١). فوقع في هذا الوهم.
وإن كان منشأ اشتباه الأمر عليهم في المقام على ما عرفت تفصيل القول فيه أمر آخر ، وهو : اشتباه المرجّح الوجداني بالمرجّح الشّرعي ، وأنّ العقل إذا رأى اختلاف مراتب الظّنون القائمة على المسائل الفرعيّة من حيث الظّن بالاعتبار وعدمه ، فلا يحكم بالتّعميم من جهة قاعدة « بطلان التّرجيح بلا مرجّح » فافهم.
والأولى : نقل عين عبارته بتمامها قال قدسسره في « العوائد » :
« ولا يخفى أنّ هذا القائل خلط بين ترجيح الشّيء وتغليبه ولم يفهم الفرق بينهما ، ونحن لبيان المطلب نقدّم أوّلا مقدّمة ، ثمّ نجيب عن كلامه.
وهي : أنّه لا ريب في بطلان التّرجيح بلا مرجّح فإنّه ممّا يحكم بقبحه العقل والعرف والعادة ، بل يقولون بامتناعه الذّاتي كالتّرجح بلا مرجّح.
والمراد بالتّرجيح بلا مرجّح. هو الكون مع أحد الطّرفين والميل إليه والأخذ به من غير مرجّح وإن لم يحكم بتعيينه وجوبا ، وأمّا الحكم بذلك فهو أمر آخر وراء ذلك.
ولنوضح ذلك بأمثلة فنقول : إذا أرسل سلطان مثلا عبدا إلى بلد وقرّر له أحكاما وطلبها منه ، ولم يعلم ذلك العبد تلك الأحكام ولكن أخبره عادل ؛ بأنّه طلب منه إكرام زيد وعمرو وبكر وخالد من غير نفي أحكام أخر ، وآخر ؛ بأنه طلب منه بناء دار ومسجد وقنطرة ورباط من دون نفي الغير ، وثالث ؛ بأنّه طلب منه استكتاب مصحف وكتاب وديوان كذلك ولم يكن له بدّ من العمل بأقوال هؤلاء كلاّ
__________________
(١) أنظر هداية المسترشدين : ج ٣ / ٣٦٥.