عالم بالحكم وإنما جهل مورده أو اعتقد طهارته ، ومعه لا يمكن الحكم بوجوب إعلامه بل يمكن الحكم بحرمته فيما إذا لزم منه إلقاء الجاهل في العسر والحرج أو كان موجباً لايذائه. وأما التسبيب إلى أكل النجس أو شربه فالتحقيق حرمته ، وذلك لأن المستفاد من إطلاقات أدلة المحرّمات الموجّهة إلى المكلفين حسب المتفاهم العرفي ، أن انتساب الأفعال المحرّمة إلى موجديها مبغوض مطلقاً سواء كانت النسبة مباشرية أم تسبيبية مثلاً إذا نهى المولى عن الدخول عليه بأن قال لا يدخل عليَّ أحد لغرض له في ذلك فيستفاد منه أن انتساب الدخول إليه وإيجاده مبغوض مطلقاً سواء صدر ذلك على وجه المباشرة أو على وجه التسبيب كما إذا أدخل عليه أحداً بتغريره ، فالانتساب التسبيبي كالمباشري مفوت للغرض والتفويت الحرام.
هذا كلّه مضافاً إلى ما ورد من الأمر باعلام المشتري بنجاسة الزيوت المتنجسة حتى يستصبح بها ، ولا يستعملها فيما يشترط فيه الطهارة حيث قال : « بعه وبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به » (١) فان الاستصباح بالزيت المتنجس ليس بواجب ولا راجح ، فالأمر به في الأخبار المشار إليها إرشاد إلى أنه لا بد وأن يصرف في الجهة المحللة لئلا ينتفع به في المنفعة المحرمة ، لأن للدهن النجس فائدتين : محللة ومحرمة ، فاذا لم يبيّن نجاسته للمشتري فمن الجائز أن يصرفه في الجهة المحرّمة أعني أكله وهو تسبيب من البائع إلى إصدار مبغوض الشارع من المشتري الجاهل بالحال ، فالأمر باعلام نجاسة الدهن للمشتري يدلّنا على حرمة التسبيب إلى الحرام.
ودعوى اختصاص ذلك بالنجاسات ، فإنّ الأخبار إنما دلّت على وجوب الإعلام بنجاسة الزيوت فلا يستفاد منها حرمة التسبيب إلى مطلق المبغوض الواقعي كما في التسبيب إلى أكل الميتة الطاهرة من الجري والمارماهي ونحوهما ، حيث إن أكلها محرّم من دون أن تكون نجسة ، مدفوعة بأنّ المستفاد من إطلاق حرمة الميتة وغيرها من المحرّمات حسب المتفاهم العرفي أنّ مطلق انتساب فعلها إلى المكلف مبغوض
__________________
(١) ورد ذلك فيما رواه معاوية بن وهب وبمضمونه روايات أُخر مروية في الوسائل ١٧ : ٩٨ / أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٤ وغيره.