وهذا هو الدليل الّذي ينبغي الاعتماد عليه في أصل جواز التقليد ، وفي الجواب عمّا يعترض عليه المنكرون له ، إذ العمدة فيما ذكروه بناء العقلاء واستقرار سيرتهم على الرجوع في كل صنعة إلى صالح أهلها ، وما ذاك إلاّ لما عرّفناك به من أنهم يعدّون أنفسهم عالمين بعلم من يرجعون إليه ، لا أنهم يتعبّدون برأيه ويرونه حجة عليهم ، فالمريض الّذي يقدم على الدواء الّذي يصفه الطبيب ، لا يرى فرقا بين نفسه وبين طبيبه إلاّ أنّ الطبيب أراحه من التعب والعناء وكفاه مئونة طلب النافع من الدواء ، ويكون اعتماده على تجارب طبيبه ومنقولاته ، كاعتماد الطبيب على المتقدّمين عليه من أهل فنّه ، فكذلك المقلّد بالنسبة إلى الفقيه ، والفقيه إلى الصالحين من أسلافه ، ولا تجد بارعا في الفقه مهما بلغ فيه وبالغ في الاجتهاد إلاّ وهو يقلّد غيره بهذا المعنى من التقليد في كثير من المقدّمات ، من مفسّر ، ومحدّث ، ولغوي ، ونحوي.
وفي الشرع أحكام كثيرة متوقفة على الفحص ، ولا أظنّ أحدا يفرّق بين المباشرة بالنفس وغيرها.
وإذا تأمّلت لم تجد فرقا بينه فيها وبين الفحص اللازم في الأحكام ، إلاّ احتياج الثاني إلى عدّة من اقسامه ، بخلاف الأول ، وهذا معنى لا يسع المنكر للاجتهاد إنكاره إن أنصف ، وأقصى ما عنده فيه تغيير اللفظ والمؤاخذة عليه ، والتعبير عن المجتهد بالعالم ، وعن التقليد بالرجوع إلى العالم ، كما أنّ إثبات حجّية الرّأي ضرب من المحال ، وفي مبحث الاجتهاد تفصيل الحال.
هذا ، ولازم تخصيص الأصول بالمجتهد عدم جريان الأصول في الشبهة الموضوعية ، إذ الشك المعتبر فيها شك المقلّد قطعا ، والفحص فيما يلزم فيه الفحص وظيفته ، وموارد كثير منها هي الموضوعيّة ، فيلزم خروجها عن الأدلّة عليها أو اجتماع الاختصاص والاشتراك في كلام واحد.