غايته واجبة أيضا ، بل قد تكون غايته واجبة وقد لا تكون واجبة فيما إذا كان في إيجابها حرج أو مشقة أو عسر على المكلّف.
فنحن نسلّم بأنّ الغاية محبوبة ومطلوبة وراجحة ولكنّنا لا نسلّم أنّها تكون واجبة دائما ، فيمكن للمولى أن يتصدى لإيجابها بأن كانت مقدورة للمكلّف ولا مشقّة عليه بامتثالها ، ويمكن للمولى عدم إيجابها إذا لم تكن مقدورة للمكلف أو كان في إيجابها مشقة حرجية ؛ ولهذا نمنع الكبرى الكليّة.
والوجه في ذلك : أنّ الغاية إذا كان في إيجابها عسر ومشقة وحرج على المكلّف فالمولى حينئذ يقتصر على إيجاب ذي الغاية فقط ، والذي من شأنه أن يقرّب المكلّف نحو الغاية فيما إذا كان للغاية أسباب وأبواب متعدّدة فإنّه إذا أوجب ما يقرّب إليها يكون قد سدّ بابا من أبواب عدمها لا جميع أبواب عدمها ؛ إذ المفروض أنّ سدّ جميع أبواب عدمها يساوق إيجاب الغاية نفسها ، والمفروض أنّ المولى لا يريد إيجابها لما فيها من العسر والحرج والمشقّة على المكلّف.
والحاصل : أنّه إذا كان إيجاب الغاية نفسها أو سد جميع أبواب عدمها حرجيا على المكلّف فالمولى يقتصر في مقام تقريب المكلّف نحو الغاية في إيجاب أحد أسبابها وسدّ أحد أبواب عدمها فقط ، ولذلك تكون غير واجبة ولكنّها في نفس الوقت مطلوبة ومحبوبة للمولى لكنّه لم يوجبها لمحذور ومانع.
وبهذا يتّضح أنّ الملازمة بين وجوب شيء ووجوب غايته على إطلاقها غير تامّة. نعم ، هي تامّة بنحو الموجبة الجزئيّة فقط وإثبات كونها واجبة في مقامنا يحتاج إلى دليل آخر غير ما ذكر (١).
وبالاعتراض على ثالث تلك الوجوه بأنّ الأمر بالنفر والإنذار ليس لغوا مع عدم الحجيّة التعبديّة ، لأنّه كثيرا ما يؤدّي إلى علم السامع فيكون منجزا ، ولمّا كان المنذر يحتمل دائما ترتب العلم على إنذاره أو مساهمة إنذاره في حصول العلم ولو لغير السامع المباشر فمن المعقول أمره بالإنذار مطلقا.
__________________
(١) مضافا إلى أنّ وجوب الإنذار ثابت على النافرين بينما وجوب التحذر ثابت على القوم المنذرين ، فمن عليه الوجوب ليس نفس من عليه التحذر ، فلا ملازمة بين الإيجابين لاختلاف موضوع كل منهما.