وأمّا الوجه الثالث : فيعترض عليه بأنّه يمكن أن يكون هناك أمر وإيجاب للنفر والإنذار ومع ذلك لا يقال بالحجيّة التعبديّة لإخبارهم مطلقا ، سواء أفاد العلم أم لا ، وذلك لأنّه غالبا أو كثيرا ما يؤدّي الإنذار والإخبار إلى علم السامع فيكون الإنذار منجزا عليه لمنجزية العلم لا لنفس الخبر.
وعليه ، فيمكن للشارع أن يكون قد جعل الإنذار واجبا ، لأنّه يؤدّي إلى العلم ولكنّه لم يقيّد في لسان الدليل بذلك حفاظا على بقاء الإنذار ، لأنّه لو قال : إنّ الإنذار إنّما يكون واجبا فيما لو أفاد العلم للسامع ، فعندئذ سوف يتوقّف المنذر في كثير من الأحيان عن الإنذار لعدم إفادة إنذاره العلم لدى السامع بنظر المنذر مع أنّه قد يفيده العلم أو قد يفيد غير السامع أو قد يساهم الإنذار في حصول العلم بعد ضمّ غيره من القرائن والشواهد إليه ، فلأجل أن يحافظ الشارع على وجوب التحذّر عند إفادة الإنذار العلم جعل وجوب الإنذار في خطابه مطلقا لحالتي إفادته العلم وعدمها من أجل أن يتحقّق الإنذار من كل النافرين سواء كان مفيدا للعلم بنظرهم أم لا ، لأنّ المهم هو أن يحصل العلم للسامع أو للمنقول إليه الإنذار.
والحاصل : أنّ الملاك الواقعي للمولى هو كون وجوب التحذر عند إفادة العلم لدى السامع من إنذار النافر ، ولكن إذا أبرز الشارع هذا القيد في ظاهر كلامه فسوف يتوقّف كثير من المنذرين النافرين حيث إنّهم في كثير من الأحيان يعتقدون أنّ إنذارهم لا يفيد السامع العلم ؛ لأنّه خبر واحد ظني وبالتالي سوف لن يتحقّق التحذر الواجب في كثير من موارده الواقعيّة.
وأمّا إذا أبرز وجوب الإنذار مطلقا سواء أفاد العلم أم لا سوف يتحفظ على ملاك وجوب التحذر الواقعي لأنّه سوف يتحذر دائما عنه لأنّ الوجوب صار مطلقا ظاهرا وإن كان واقعا مقيّدا بالعلم.
وهذه المناقشة إذا تمت جزئيا فلا تتم كليّا ، لأنّ دلالة كلمة ( لعل ) على المطلوبية غير قابلة للإنكار ، وكون مفادها الترقب وإن كان صحيحا
ولكن كونه ترقب المحبوب أو ترقب المخوف يتعيّن بالسياق ، ولا شكّ في تعيين السياق في المقام للأوّل.
الجواب عن هذه المناقشة : أنّها تتمّ في الوجهين الثاني والثالث ، ولكنّها غير تامّة