واتّفاق ، فإنّ المدار في ثبوت المفهوم على التوقّف والالتصاق مهما كان نوعه وكيفما اتّفق (١).
ثمّ إنّ المحقّق العراقي رحمهالله (٢) ذهب إلى أنّه لا خلاف في أنّ جميع الجمل التي تكلّم العلماء عن دلالتها على المفهوم تدلّ على الربط الخاصّ المستدعي للانتفاء عند الانتفاء ، أي على التوقّف ؛ وذلك بدليل أنّ الكلّ متّفقون على انتفاء شخص الحكم بانتفاء القيد شرطا أو وصفا ، وإنّما اختلفوا في انتفاء
__________________
(١) قد يشكل على كلام السيّد الشهيد بقولنا : إنّ التوقّف ولو صدفة ما ذا يراد منه؟
فإذا كان المراد أنّ الجزاء متوقّف على الشرط وجودا وعدما ، بحيث كان الجزاء يدور مدار الشرط كان معنى ذلك هو العلّيّة الانحصاري التي قالها المشهور ؛ لأنّ التوقّف كمعنى حرفي عبارة عن النسبة المتقوّمة بالطرفين فيكون مفهوم التوقّف منتزعا من الخارج.
فإذا كان الشرط والجزاء في الخارج يحدثان معا وينتفيان معا ، وكان وجود أحدهما موجبا لوجود الآخر وانتفاؤه موجب لانتفائه ، فهذا معناه أنّه علّة تامّة منحصرة ؛ إذ لا وجود لهذا المفهوم في الخارج إلا في العلّة التامّة المنحصرة.
وإذا كان المراد من التوقّف ولو صدفة هو المصطلح المعروف للصدفة أي احتمال الوقوع واحتمال العدم ، فهذا يعني أنّه يحتمل وجود الجزاء عند وجود الشرط ويحتمل انتفاؤه عند انتفائه ، ويحتمل أيضا عدم وجوده عند وجود الشرط أو عدم انتفائه عند انتفاء الشرط ، وبالتالي لا يكون مجيء زيد موجبا لمجيء عمرو ؛ إذ قد يوجبه وقد لا يوجبه ، فكيف يتمّ المفهوم إذا؟
والحاصل : أنّه على التفسير الأوّل للتوقّف الصدفتي يكون النزاع لفظيّا بين المشهور والسيّد الشهيد ؛ لأنّهما يتّفقان في النتيجة العمليّة ، وأمّا على التفسير الثاني فلا يكون هناك مفهوم أصلا.
هذا ، ويمكن الإجابة عن هذا الإشكال بقولنا : إنّ التوقّف لا يتوافق في الخارج على العلّيّة دائما ، بل قد يحصل مع العلّيّة وقد يحصل بدونها ، فيكون التوقّف أعمّ من العلّيّة في كلام المشهور ؛ وذلك لإمكان فرض التوقّف في الخارج في المفاهيم المتضايفة كقولنا : إنّ تعقّل البنوّة متوقّف على تعقّل الأبوّة ، والفوق على التحت وهكذا ، فإنّ المتضايفين يتوقّف أحدهما على الآخر وجودا وعدما في الخارج ، ولهذا يكون للتوقّف المذكور معنى أعمّ من قول المشهور ، فصحّ ذكره والاعتماد عليه ولو صدفة أيضا.
(٢) مقالات الأصول ١ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ ، نهاية الأفكار ١ : ٤٧٠ ـ ٤٧٣.