وأمّا إذا كانت هذه المسألة من الممكن أن تستفاد وتستنتج من قاعدة عقليّة بأن كانت من مسائل الحسن والقبح أي المستقلاّت العقلية ، أو كانت من الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل كالملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، أو حرمة شيء وبطلانه ، أو الأمر بشيء وحرمة ضده ونحوها من الملازمات العقلية ، فحينئذ لا يكون الإجماع على هذه المسألة كاشفا عن الدليل الشرعي ؛ لأنّه يحتمل أن يكون دليلها هو حكم العقل ، ومع الاحتمال لا يقطع بالكاشفية ومع عدم الكاشفيّة لا يكون الإجماع حجّة ، لأنّه ليس حجّة بنفسه.
وكذلك الحال إذا كانت هذه المسألة من الممكن استفادتها من عموم أو إطلاق بأن كانت من جملة التفريعات والمصاديق لهذا الإطلاق والعموم ، فإنّ إجماعهم على المسألة لا يكون كاشفا عن الدليل الشرعي ؛ لأنّه من الممكن أن يكون مستندها ودليلها هو هذا الإطلاق والعموم ، وحينئذ تبطل كاشفيّة الإجماع فلا يكون حجّة ، ويجب حينئذ الرجوع إلى هذا الإطلاق والعموم وتقييمه ليرى أنّ هذه المسألة هل تصلح أن تكون من تفريعاته ومصاديقه أم لا؟ (١).
لمّا كان كشف الإجماع قائما على أساس تجمّع أنظار أهل الفتوى على قضيّة واحدة اختص بالمقدار المتّفق عليه ، ففيما إذا اختلفت الفتاوى بالعموم والخصوص لا يتمّ الإجماع إلا بالنسبة لمورد الخاص.
يثبت بالإجماع المقدار المتيقن المتّفق عليه من الجميع ، وذلك لأنّه دليل لبيّ والأدلّة اللبّية يقتصر فيها على القدر المتيقن ، ولا يتعدى إلى الزائد عن ذلك إلا لدليل خاص ، وحيث إنّ الإجماع قائم على أساس حساب الاحتمالات وتجميع القيم الاحتماليّة لصدق القضيّة في محور واحد كان ذلك مرتبط بالمحور الذي تم الاتفاق عليه دون الزائد عنه ، لأنّ هذه القيم الاحتماليّة إنّما حصلت وتراكمت
__________________
(١) وهذا الشرط يمكن إرجاعه إلى الشرط الثاني ، حيث يحتمل وجود المدرك للإجماع غاية الأمر أنّ المدرك هنا عقلي أو عموم وإطلاق دليل بينما هناك كان المدرك لفظيّا.
ويدخل في هذا الشرط أيضا كل مدرك ومستند يحتمل تعويل المجمعين عليه ، أو يحتمل رجوع المسألة المجمع عليها إليه كالعرف أو السيرة العقلائيّة أو الظهور ونحو ذلك.