وبهذا ظهر أنّ الاستدلال بآية النفر تام لو تمّت هذه الأمور الثلاثة ، إلا أنّه يمكن النقاش في كل واحد من هذه الأمور كما يلي :
وقد يناقش في الأمر الأوّل بوجوهه الثلاثة ، وذلك بالاعتراض على أوّل تلك الوجوه بأن الأداة مفادها وقوع مدخولها موقع الترقّب لا الترجي ، ولذا قد يكون مدخولها مرغوبا عنه ، كما في قوله : « لعلك عن بابك طردتني ».
المناقشة في الأمر الأوّل : يرد على الأمر الأوّل أي إثبات وجوب التحذر أنّنا نمنع الوجوه الثلاثة التي ذكرت لإفادة الوجوب.
أمّا الوجه الأوّل : فيعترض عليه بأنّه يتمّ فيما لو كانت الأداة تفيد المطلوبية والمحبوبية لمدخولها ، إلا أنّها ليست كذلك ، لأنّ مدخول الأداة يقع موضع التّرقب أيضا ، كما في قولك : ( لعلك تزورنا ) أي إنّنا نترقب زيارتك ، ويقع أيضا في غير مقام المحبوبية أصلا ، بأن يكون مكروها ومبغوضا كقوله عليهالسلام في دعاء أبي حمزة الثمالي : « لعلك عن بابك طردتني » فهو يخشى ذلك ولا يحبّه.
والحاصل : أنّ كلمة ( لعل ) لا تدلّ فقط على الترجي بل هي أعم من طلب وقوع المحبوب ومن طلب عدم وقوع المبغوض ، فتكون موضوعة للترقّب الذي يتلاءم مع كلا المعنيين ، فإنّه إن كان المدخول مطلوبا ومحبوبا كانت تفيد التّرقب لوقوعه ، وإن كان مبغوضا ومرغوبا عنه كانت تفيد التّرقب لعدم وقوعه (١).
وبالاعتراض على ثاني تلك الوجوه بأنّ غاية الواجب ليست دائما واجبة ، وإن كانت محبوبا حتما ، ولكن ليس من الضروري أن يتصدى المولى لإيجابها بل قد يقتصر في مقام الطلب على تقريب المكلّف نحو الغاية وسدّ باب من أبواب عدمها ، وذلك عند وجود محذور مانع من التكليف بها وسدّ كل أبواب عدمها كمحذور المشقّة وغيره.
وأمّا الوجه الثاني : فيعترض عليه أنّه ليس دائما كلما كان شيء واجبا كانت
__________________
(١) في الآية الشريفة يحتمل كلا النحوين من الترقب ، فنحتاج إلى دليل لترجيح أحدهما على الآخر ، وهو وإن كان يمكن استفادته من الآية كما هو الظاهر إلا أنّه يحتمل أن يكون التحذّر مطلوبا لإفادة الإنذار والإخبار للعلم لا مطلقا ، أي أنّ التحذر يكون واجبا لأنّه يترقّب أن يكون الإنذار مفيدا للعلم لا مطلقا. وهذا ما ذكره الأصفهاني.