الدليل الشرعي ، ولا يحتاج إلى توسط عدم الردع ، ولذلك يكون عمل المتشرّعة متحدّدا بالمقدار الذي انعقد عليه عملهم ، لأنّ سيرتهم تعني انعقاد العمل فعلا في الخارج ، فالثابت بهذه السيرة هو الموضوع الجزئي فقط.
وأمّا سيرة العقلاء فتحتاج إلى إثبات عدم الردع والسكوت الكاشف عن الإمضاء وذلك لأنّ عمل العقلاء بخبر الثقة وتعويلهم عليه في مجال أغراضهم التكوينيّة أو حتّى التشريعيّة إنّما يكشف عن وجود إيحاء وميل وعادة لدى العقلاء على ذلك ، وأمّا أنّ هذه العادة والبناء حجّة شرعا أو ليس كذلك فهذا لا تثبته نفس السيرة ، بل نحتاج في إثباته إلى دليل آخر كما تقدّم في محلّه من كون الشارع هادفا أو كونه آمرا وناهيا أو كونه يريد تحقيق أهدافه وأغراضه أو ظهور حاله ، فإنّ ذلك كلّه يشكل دلالة على أنّه لو لم يكن خبر الثقة حجّة لدى الشارع لنهى عنه وردع عن العمل به في مجال أغراضه التشريعيّة ، وعدم ردعه وسكوته عن ذلك يكشف عن إمضائه وهو كاشف عن وجود الدليل الشرعي على حجيّته.
ولذلك فهذه السيرة تثبت مفهوما كليّا أي تلك القضيّة القائلة بأن خبر الواحد حجّة في الأحكام الشرعيّة ، فالممضى هو ذاك الأمر الكلّي سواء كان هناك عمل فعلي في الخارج أم لا. وعليه ، فيكون الإمضاء أوسع من الخارج لأنّه إمضاء لمفهوم وقضيّة كليّة لا جزئيّة.
وهناك اعتراض يواجه الاستدلال بالسيرة وهو أنّ السيرة مردوع عنها بالآيات الناهية عن العمل بالظن الشاملة بإطلاقها لخبر الواحد.
ثمّ إنّه يعترض على الاستدلال بسيرة العقلاء على حجيّة خبر الواحد بأنّ هذه السيرة كما تقدّم تحتاج إلى إثبات عدم الردع عنها لتكون كاشفة عن الإمضاء والحجيّة ، والحال أنّ الردع عنها ثابت وذلك بإطلاق الآيات الناهية عن العمل بالظن من قبيل قوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) وقوله : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) ، وغيرها من الآيات التي تنهى عن العمل بما ليس بعلم.
وحيث إنّ خبر الواحد المطلوب الاستدلال على حجيّته هو الخبر الذي لا يفيد العلم فيكون مشمولا لإطلاق النهي وداخلا في موضوعها لأنّه ليس علما ، فيكون