الأمر الأوّل : إثبات كون التحذّر واجبا فيتم بوجوه :
الوجه الأوّل لصاحب ( المعالم ) : أنّ التحذّر وقع مدخولا لأداة الترجي في قوله : ( لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) والترجي الحقيقي مستحيل على الشارع ، فيحمل على أقرب المعاني إليه وهو المطلوبية والمحبوبية في مقامنا ؛ لأنّ الكلام من الشارع. ومعنى المطلوبية والمحبوبية للتحذّر كونه واجبا ؛ إذ لو كان التحذّر له مبرر لطلبه كما هو المفترض فهو واجب لرجحانه ، وإن لم يكن هناك مبرّر لطلبه فلا معنى لمحبوبيّته ورجحانه ، وبالتالي لا يكون مطلوبا أصلا ، فلا معنى لذكره في الكلام.
وبتعبير آخر : أنّ معنى كون التحذّر مطلوبا للشارع ومحبوبا له كونه واجبا في مقامنا ، وذلك للإجماع المركّب الحاصل من انقسام الفقهاء إلى قولين : أحدهما لم يجوّز العمل بالخبر مطلقا ، والآخر أوجب العمل به ، والذي على أساسه ننفي كون الرجحان والمطلوبية للاستحباب ، فيتعين الوجوب ، إذ لا قول بالفصل.
ثانيها : أنّ التحذّر وقع غاية للنفر الواجب ، وغاية الواجب واجبة.
الوجه الثاني لإثبات وجوب التحذّر أن يقال : إنّ التحذّر وقع غاية للنفر ، لأنّ الآية مفادها تعليل وجوب الإنذار بالتحذر من القوم بقوله : ( لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) وحيث إنّ الإنذار واجب فيكون التحذر واجبا أيضا ؛ لأنّ غاية الواجب واجبة لأنّ الشارع لا يرضى بتفويت الواجب ، فهو لا يرضى بتفويت غايته أيضا ، فتكون واجبة مثله.
وبتعبير أدق : أنّ الانذار لمّا كان واجبا فهو مطلوب ومحبوب ، وحيث إنّ التحذّر وقع غاية للإنذار الواجب فيكون مطلوبا ومحبوبا أيضا ، ولا معنى لذلك إلا كونه واجبا ، فهناك ملازمة بين وجوب الشيء ووجوب غايته ، ولا يعقل التفكيك بينهما.
ثالثها : إنّه بدون افتراض وجوب التحذر يصبح الأمر بالنفر والإنذار لغوا.
الوجه الثالث لإثبات وجوب التحذر أن يقال : إنّ التحذر إما أن يكون واجبا أو لا يكون كذلك ، والأوّل هو المطلوب ، والثاني يجعل الأمر بالنفر والانذار لغوا ، لأنّه إذا لم يجب التحذّر عند الإنذار لما كان معنى لإيجاب النفر والإنذار على النافرين للتفقه ؛ إذ لا فائدة من إنذارهم ونفرهم للتفقه ما دام الناس لن يتحذروا عند سماع إنذارهم فيكون إيجابهما بلا فائدة.
وبتعبير آخر : أنّ الشارع لمّا أوجب على النافرين الإنذار فهذا يلازمه وجوب العمل