بعنوان الفسق في منطوق الآية مرجعه إلى أنّ هذا العنوان بنفسه ليس فيه مقتضي الحجيّة.
إلا أنّ هذا لا يعني أنّ خبر العادل فيه مقتضي الحجيّة ؛ إذ من الممكن ألا يكون فيه أيضا مقتضي الحجيّة ، ولكن لا بعنوان العدالة ، بل بعنوان آخر يشمله ويشمل الفاسق أيضا ، كالخبر غير العلمي أو الذي يحتمل عدم إصابته للواقع ، فيكون خبر العادل موضوعا أيضا لوجوب التبيّن لدخوله تحت هذا العنوان العام ، فيجب التبيّن عنه لا لكونه عادلا بل لكونه خبرا لا يفيد العلم مثلا ، أو لأنّه لا يظن بصدقه أو يظن بخلافه وهذا معناه أنّه من المحتمل أن يكون خبر العادل موضوعا لوجوب التبيّن بمعنى أن هذا العنوان لا يقتضي الحجيّة لكونه مصداقا لذاك العنوان العام لا لنفسه.
والحاصل : أنّ المحذور في وجوب التبيّن عن خبر العادل فيما إذا كان عنوان العدالة بنفسه هو الموضوع الذي أنيط به وجوب التبيّن ، وأمّا إذا كان وجوب التبيّن عن خبر العادل بعنوان آخر يشمله ويشمل خبر الفاسق كعنوان الخبر الذي لا يفيد العلم ، فيكون وجوب التبيّن عن خبر العادل كخبر الفاسق بمعنى عدم وجود موضوع الحجيّة فيهما لا بعنوانهما الخاص ، بل بعنوانهما العام المذكور.
ومنها : آية النفر وهي قوله سبحانه وتعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )(١).
وتقريب الاستدلال بها يتمّ من خلال الأمور التالية :
تقريب الاستدلال بالآية يتمّ فيما إذا كان التحذر عند الإنذار واجبا سواء أفاد العلم أم لا ، وهذا يعني حجيّة قول المنذر مطلقا وهو المطلوب.
وهذا الاستدلال يتوقّف على إثبات وجوب التحذر أوّلا وعلى كونه مطلقا ثانيا ، فحينئذ تثبت الحجيّة.
أوّلا : أنّها تدلّ على وجوب التحذر لوجوه :
أحدها : أنّه وقع مدخولا لأداة الترجي الدالة على المطلوبية في مثل المقام ، ومطلوبيّة التحذر مساوقة لوجوبه ، لأنّ الحذر إن كان له مبرّر فهو واجب وإلا لم يكن مطلوبا.
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.