وبهذا نعرف أنّ السيرة المتأخّرة المعاصرة للحجة عليهالسلام لا يمكن الاستدلال بها على الحكم الشرعي من خلال سكوته عنها ؛ لأنّه ليس مكلّفا بالأمر والنهي ، وليس مكلّفا بإرشاد وهداية المجتمع وتوجيهه ، وإلا لما كان غائبا. نعم ، يمكن الاستدلال بهذه السيرة المعاصرة لنا بعد إثبات كونها معاصرة للمعصومين عليهمالسلام غير الحجّة ( عجّل الله فرجه ).
وقد تقدّم سابقا عدّة طرق لإثبات معاصرتها ، نشير إليها إجمالا :
١ ـ إثبات المعاصرة بالنقل التاريخي والشهادة.
٢ ـ إثبات عدم التغيّر والتبدّل أو أصالة الثبات ، وذلك إذا كانت السيرة معتمدة على نكات فطريّة عامّة لكلّ العقلاء.
٣ ـ استقراء الأوضاع الاجتماعيّة في مختلف المجتمعات وملاحظة النقاط المتّفق عليها ، بحيث يمكننا تعميم الحكم من خلال ذلك إلى سائر المجتمعات الأخرى الآتية والماضية.
٤ ـ أن يكون هناك لازم إذا لم تكن هذه السيرة معاصرة وكان الموضوع محلّ ابتلاء للناس عادة ، وهذا اللازم هو كثرة السؤال عنه ، والحال أنّ هذا اللازم منتف ، إذا ينتفي الملزوم فتثبت المعاصرة.
٥ ـ أن يكون هناك بديل إذا لم تكن السيرة معاصرة وكان مهمّا بحيث يجب نقله تاريخيّا ؛ لأنّه سوف يكون سلوكا غريبا مخالفا للعادة ، وحيث إنّ هذا البديل لم ينقل مع توفّر الدواعي لنقله ، فيدلّ على عدم وجوده وأنّ السيرة كانت معاصرة.
إلا أنّ اشتراط المعاصرة إنّما هو في السيرة التي يراد بها إثبات حكم شرعي كلّي ، والكشف بها عن دليل شرعي على ذلك الحكم ، وهي التي كنّا نقصدها بهذا البحث بوصفها من وسائل إثبات الدليل الشرعي.
وهذا الشرط ـ المعاصرة ـ إنّما هو في السيرة التي يراد بها اكتشاف الحكم الشرعي الكلّي وإثباته ، أو الكشف عن دليل شرعي كلّي يصلح للاستدلال والاستنباط في كلّ الحالات والظروف والعصور.
وما تقدّم من بحوث إنّما كان يقصد هذا النوع من السيرة ، فإنّ التملّك بالحيازة أو جواز التصرّف استنادا على الرضا القلبي حكم شرعي كلّي يعمّ كلّ الأزمنة