والعصور ، وكذلك الاستناد إلى قول اللغوي وخبر الثقة ليس مختصّا بزمان دون آخر ، فهي كلّها أحكام شرعيّة كلّيّة.
فهذا النوع من السيرة يحتاج إلى إثبات المعاصرة ليكون السكوت إمضاء لها ، وكاشفا عن هذا الحكم الشرعي الكلّي.
ولكن هناك نحو آخر من السيرة لا يكشف عن الدليل الشرعي على حكم كلّي ، وإنّما يحقّق صغرى لحكم شرعي كلّي قد قام عليه الدليل في المرتبة السابقة.
إلا أنّه يوجد نحو آخر من السيرة العقلائيّة وهو السيرة العقلائيّة على تحقيق صغرى الحكم الشرعي ، بعد أن كان الحكم الشرعي الكلّي مفروغا من ثبوته لقيام الدليل الخاصّ عليه في مرتبة سابقة ، والمقصود من كون السيرة محقّقة لصغرى الحكم هو :
أنّ السيرة تارة تكون منقّحة لفرد حقيقي من أفراد الموضوع ، بمعنى أنّها توجد مصداقا حقيقيا لموضوع الحكم الكلّي.
فمثلا قوله تعالى : ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) المقصود من المعروف هو ما كان معروفا وشائعا ، وهذا الموضوع له مصاديق عديدة ، فإذا قامت السيرة على أنّ هذا الشيء معروف كانت بذلك موجدة لمصداق حقيقي لهذا الموضوع الذي هو موضوع لحكم شرعي كلّي بوجوب الإمساك.
وأخرى تكون منقّحة لفرد ادّعائي بمعنى أنّها توجد فردا اعتباريّا كما في الاتّفاقيّات بين المتعاملين ، فإنّ غالب الاتّفاقيّات تشكّل صغرى لحكم شرعي كلّي المدلول عليه بقوله عليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم » فتكون كلّ الشروط الضمنيّة دخيلة في العقد وإن لم تذكر في متنه ، وذلك لقيام السيرة على مدخليّتها واعتبارها.
وبهذا يتّضح أنّ هذا النحو من السيرة لا يحتاج إلى إثبات كونها معاصرة ؛ لأنّه لا يراد بها اكتشاف حكم شرعي كلّي ، بل يراد بها اكتشاف تطبيقي ومصداقي لموضوع الحكم الشرعي ، ومن المعلوم أنّ تشخيص الموضوع والمصداق خارجا بيد المكلّف ولا مدخليّة للشارع به ، ولذلك لم نحتج إلى معاصرتها للمعصوم ، وإلى ذلك أشار السيّد الشهيد بقوله :
وإلى هذا النحو من السيرة ترجع على الأغلب البناءات العقلائيّة التي يراد بها