حاضرا ومعاصرا لهذه السيرة لتكون على مرأى ومسمع منه ، لكي يكون سكوته عنها موجبا للإمضاء.
وأمّا إذا لم تكن السيرة معاصرة للمعصوم فلا تكون حجّة لاختلال الركن الثاني ، إذ ما دام المعصوم غير حاضر وغير معاصر للسيرة فكيف يحرز أنّه أمضاها ، فإنّ الإمضاء تابع لسكوته وسكوته فرع وجوده ومعاصرته ، فإذا لم يكن موجودا كانت حجيّة السيرة منتفية من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وهذا واضح.
وأمّا أنّه كيف يمكننا نحن في هذا العصر أن نثبت أنّ السيرة المتحقّقة فعلا من العقلاء كانت معاصرة للمعصوم؟ فهذا الأمر يمكن إثباته بعدّة طرق تقدّمت مفصّلا في الحلقة السابقة ، ولذلك قال الشهيد :
وأمّا السيرة المتأخّرة فلا يدلّ عدم الردع عنها على الإمضاء كما تقدّم في الحلقة السابقة (١) ، وأمّا كيف يمكن إثبات أنّ السيرة كانت قائمة فعلا في عصر المعصومين فقد مرّ بنا البحث عن ذلك في الحلقة السابقة (٢).
قد يقال : إنّه بالإمكان الاستدلال بالسيرة القائمة فعلا على الحكم الشرعي ، وذلك من خلال سكوت الحجّة ـ عجّل الله فرجه ـ عنها فإنّه معاصر لهذه السيرة فيكون سكوته عنها إمضاء لها.
ويرد عليه : أنّ نفس مرحلة الغيبة والاختفاء وعدم الظهور يمنع من الاستدلال بسكوته ؛ لأنّ هذه المرحلة تحتّم عليه عدم التعرّض لشئون الناس والتدخّل في تصرّفاتهم وإلا لما احتيج إلى الغيبة.
وقد يقال : إنّ المعصوم قد أمضى السيرة العقلائيّة لا بما هي سيرة شخصيّة منعقدة على أمر معيّن فحسب ، بل أمضاها بما هي نوع أي أنّ كلّ سيرة عقلائيّة تنعقد على أمر فهي حجّة.
وفيه : أنّ السيرة ليست دليلا لفظيّا كما أنّ الإمضاء المستكشف من السكوت ليس دليلا لفظيّا ، ولذلك لا يكون هناك إطلاق ولا عموم أصلا.
__________________
(١) ضمن البحث عن تحديد دلالات الدليل الشرعي غير اللفظي ، تحت عنوان : السيرة.
(٢) ضمن البحث عن وسائل الإثبات الوجداني ، تحت عنوان : الإحراز الوجداني للدليل الشرعي غير اللفظي.