وقيل : ضمان الإمام مقدم على ضمان الجاني » وأصرح منها عبارة الرياض في تحرير الخلاف. وفي التحرير : « الدية تجب ابتداء على العاقلة فلا يرجع العاقلة بها على الجاني على الأصح ، بل ولا يشاركهم نعم لو لم يكن له عاقلة ولا شيء في بيت المال أخذت الدية من ماله ».
إلى غير ذلك من كلماتهم التي يمكن للفقيه بعد التأمل والتدبر القطع بأن مرادهم ذلك خصوصا بعد ما عرفت من كون العاقلة مؤدية عن الجاني لا مديونة في ذمتها فيكون حينئذ شبه التكليف الذي يسقط بالعجز عنه ، ولذا رتبوا الحكم في المسألة على عدم العاقلة وعجزها وفقرها مع أنه لم نجد للأخيرين أثرا في النصوص ، فليس هو إلا لما ذكرناه.
وأما احتمال كونه على الإمام مطلقا حتى في مثل هذا الزمان على وجه يبطل دم المسلم لعجز الإمام ، أو أنه يقوم مقامه نائب الغيبة فيؤديه مما يتفق قبضه منه من مال الخمس أو من غيره من الأنفال ، أو يؤديه من غير ذلك مما يرجع إلى المسلمين بناء على أن الأداء من بيت مالهم لا ماله ، فهو شبه الخرافة في الفقه خصوصا على القول بكونها دينا في ذمة العاقلة المقتضي لكونها كذلك أيضا في ذمة الإمام عليهالسلام الذي له بيت ولله في عنقه حق.
ولم يذكر أحد من المتعلمين في الفقه فضلا عن أكابرهم أن من مصرف حق الصاحب روحي له الفداء وغيره من الأنفال في زمن الغيبة ما يشتغل به ذمة الإمام من ديات الخطاء نفسا وجرحا وإن نائب الغيبة يقوم مقامه في ذلك ، بل إن ذكره ذاكر كان من المضحكات فلا محيص حينئذ عن القول بكونه على الجاني وأن البحث في تقدم ضمانه على ضمان الإمام أو بالعكس إنما هو مع بسط اليد وجريان العدل لا مطلقا ، مع أن القول بضمان الجاني على هذا التقدير أيضا لا يخلو من قوة ، إلا إذا لم يكن له مال فيؤديه عنه الإمام من بيت مال المسلمين أو من ماله على القولين ، خصوصا مع فقر العاقلة لا مع عدمها ، والله العالم بحقيقة الحال.