يا أمير المؤمنين عليهالسلام ، إنّي أخذت من ذلك الدرّ واحدة ، قال : « وما دعاك إلى ذلك؟ » قال : أحببت أن أعلم أحقّ هو أم باطل؟ قال : « إنّك إن رددتها إلى الموضع الذي أخذتها منه عوّضك الله الجنّة ، وإن أنت لم تردّها عوّضك الله النار » ، فقام الرجل فردّها إلى موضعها الذي أخذها منه فحوّلها الله حصاة كما كانت. فبعضهم قال : كان هذا ميثم التمّار ، وقال بعضهم : بل كان عمرو بن الحمق الخزاعي (١).
[٢٢] ومنها : ما يستفاد من حديث الراهب بأرض كربلاء ، وهو أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام لمّا توجّه إلى صفّين لحق أصحابه عطش شديد ونفد ما كان عندهم من الماء ، فأخذوا يمينا وشمالا يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثرا ، فعدل بهم أمير المؤمنين عليهالسلام عن الجادّة وسار قليلا ولاح لهم دير في وسط البريّة ، فسار بهم نحوه ، حتّى إذا صار في فنائه أمر من نادى ساكنه بالاطّلاع إليهم ، فنادوه فاطّلع فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : « وهل قرب قائمك هذا من ماء يتغوّث به هؤلاء القوم؟ » فقال : هيهات بيني وبين الماء أكثر من فرسخين وما بالقرب منّي شيء من الماء ، ولو لا أنّني أوتي بما يكفيني كلّ شهر على التقتير لتلفت عطشا.
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « أسمعتم ما قال الراهب؟ » قالوا : نعم ، أفتأمرنا بالمسير إلى حيث أومأ إليه لعلّنا أن ندرك الماء وبنا قوّة؟ فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « لا حاجة لكم إلى ذلك » ، ولوّى عنق بغلته وأشار بهم إلى مكان يقرب من الدير فقال : « اكشفوا الأرض في هذا المكان » ، فعدل منهم جماعة إلى الموضع فكشفوه بالمساحي ، فقال لهم : « إنّ هذه الصخرة على الماء فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء فاجتهدوا في قلعها » ، فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا واستصعب عليهم.
فلمّا رآهم عليهالسلام قد اجتمعوا وبذلوا الجهد في قلع الصخرة واستصعب عليهم لوّى رجله عن سرجه حتّى صار على الأرض ، ثمّ حسر عن ذراعيه ووضع أصابعه
__________________
(١) « بحار الأنوار » ٤١ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.