بالكلية ، وكان عنده ظن أو أمارة بجهة القبلة ، فيعمل عليه ، فإن تعذر ذلك فيعمد على القرعة الشرعية ، ولا حاجة أن يصلي إلى أربع جهات ، فإننا وجدنا القرعة أصلاً شرعياً معولاً عليه في الروايات ، فإن لم يحصل له بها علم اليقين ، فلابد أن يحصل له بها ظن ، وهو كاف في معرفة القبلة لمن اشتبهت عليه من المصلين. وإن قدر أن يصحب المسافر معه كتاب (دلائل القبلة) لأحمد بن أبي أحمد الفقيه ، فإنه شامل للتعريف والتنبيه ، ولمعرفة القبلة من سائر الجهات ، وفيه كثير من المهمات.
أقول : وعسى يقول قائل : إذا جاز أن يعمل بالقرعة عند اشتباه القبلة ، فلا يبقى معنى للفتوى بالصلاة عند الاشتباه إلى أربع جهات.
والجواب : لعل الصلاة إلى أربع جهات ، لمن لم يقدر على القرعة الشرعية ، ولا يحفظ كيفيتها ، فيكون حاله كمن عدم الدلالات والأمارات على معرفة القبلة.
ومن الجواب : أنه إذا لم يكن للمفتي بالأربع جهات حجة إلا الحديثين المقطوعين عن الإسناد ، اللذين رواهما جدي الطوسي في (تهذيب الأحكام) فإن أحاديث العمل بالقرعة أرجح منهما وأحق بالتقديم عليهما.
ومن الجواب : أننا اعتبرنا ما حضرنا من الروايات ، فلم نجد في الحال الحاضرة إلا الحديثين المشار إليهما ، وهذا لفظهما :
الحديث الأول : محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن إسماعيل بن عباد ، عن خراش ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قلت له : جعلت فداك ، إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون : إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء ، كنا وأنتم سواء في الاجتهاد ، فقال : «ليس كما يقولون ، إذا كان ذلك فليصل للأربع وجوه» (١).
الحديث الثاني : وروى الحسين بن سعيد ، عن إسماعيل بن عباد ، عن خراش ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليهالسلام ، مثله (٢).
أقول : فهذان الحديثان كما ترى عن طريق واحدة ، وهي : اسماعيل بن عباد ،
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٤٥ / ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ / ١٠٨٥.
(٢) التهذيب ٢ : ٤٥ / ١٤٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ / ١٠٨٦.