حالك ووقتك ، فالناس يختلف حالهم في الاهتمام والإهمال.
إعلم أنني رأيت أن إنعام الله ـ جل جلاله ـ بالدواب ، وتسخيرها لذوي الألباب ، قد وقع الغفول عنه ، حتى كأنها ليست منه ، ووجدت السائس للدابة يعرف له حق سياسته ، ويكون له في القلب موضع بمقدار شفقته والركيبدار يعرف له حق معرفته ، وحرمة إسراج الدابة وتحميلها وتقديمها لركوب صاحبها في حاجته ، وليس في القلب ولا في شكراللسان مكان لمعرفة حق منشئها وجالبها وواهبها ومسخرها وميسرها ، وهذه العفلة من الإنسان مخاطرة هائلة بغضب الله ـ جل جلاله ـ وبكل ما وهبه للعبد من الاحسان.
أقول : وينبغي للعبد إذا أكرمه مولاه ، أن يراعي حق إكرامه وحق ما أولاه ، ومتى غفل وأهمل شكر ما أنعم به عليه ، كان العبد مستحقاً لاستعادة كل ما وصل إليه.
أقول : ويكشف هذا بمثال نذكره ومقال نسطره ، فنقول : لو أن الله ـ جل جلاله ـ ما أعطى أحداً من الخلائق ، في المغارب والمشارق ، دابة إلا أنت ، وكان الناس كلهم عزيزهم وذليلهم وغنيهم وفقيرهم ، إذا سافروا مشوا في أسفارهم على أقدامهم ، وحملوا قماشهم على ظهورهم وظهور غلمانهم ، وأنت معك دابة تركب عليها ، وتحمل قماشك للسفر عليها ، كيف كنت تكون في سرورك بها ، وتعظيم الواهب لها!
فالأمر الان على هذه الحال ، لأنك تعلم أن خلقا كثيرا ما لهم دابة في الأسفار ويمشون على أقدامهم ، ويحملون قماش سفرهم على ظهورهم ، وأما من حصل له منهم شيء من الدواب كما حصل لك ، فلا يجوز في عقل ولا نقل يليق بالصواب ، أن يكون إنعام الله ـ جل جلاله ـعلى غيرك بدابة مثل دابتك ، أن يسقط عنك حق الدابة التي وهبك إياها وجعلها من جملة نعمتك ، فكيف ساغ في المعقول والمنقول أن يكون لسائسك ، والذي يسرج دابتك ، موضع من خاطرك ، وذكرفي سرائرك أو ظواهرك ، والله ـ جل جلاله ـ المنشئ لها والمنعم بها والمسخر لها ، قلبك خال منه ، ومن هديتها لك ومسيرها بك. هذا لا يليق بالتوفيق ، وأنت مخاطر في ركوبها في الطريق.
أقول : ولقد كنت قد خرجت في بعض الأسفار ، ومعنا جماعة من ذوي