مخلوق ، وليس للعباد فيهما من صنع ، ولهم فيهما الاختيار من الاكتساب ، فبشهوتهم الايمان اختاروا المعرفة فكانوا بذلك مؤمنين عارفين ، وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالا ، وذلك بتوفيق الله لهم ، وخذلان من خذله الله ، فبالاختيار والاكتساب عاقبهم الله وأثابهم ; وسألت رحمك الله عن القرآن واختلاف الناس قبلكم فإن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره ، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، كان الله عزوجل ولا شئ غير الله معروف ولا مجهول كان عزوجل ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل ، عزوجل ربنا ، فجميع هذه الصفات محدثة عند حدوث الفعل منه ، عزوجل ربنا ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، فيه خبر من كان قبلكم ، وخبر ما يكون بعدكم ، (١) انزل من عند الله على محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله . وسألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل فإن الله عزوجل خلق العبد وجعل له الآلة و الصحة ، وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل ، ولا متحرك إلا وهو يريد الفعل ، وهي صفة مضافة إلى الشهوة التي هي خلق الله عزوجل ، مركبة في الانسان فإذا تحركت الشهوة للانسان(٢) اشتهى الشئ وأراده ، فمن ثم قيل للانسان : مريد ، فإذا أراد الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة ، فمن ثم قيل للعبد : مستطيع متحرك ، فإذا كان الانسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الآلة وهي القوة والصحة اللتان بهما تكون حركات الانسان وفعله كان سكونه لعلة سكون الشهوة فقيل : ساكن ، فوصف بالسكون فإذا اشتهى الانسان وتحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحرك بالقوة المركبة فيه ، واستعمل الآلة التي يفعل بها الفعل فيكون الفعل منه عندما تحرك واكتسبه فقيل : فاعل ومتحرك ومكتسب و مستطيع أو لا ترى أن جميع ذلك صفات يوصف بها الانسان؟ وسألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك فتعالى الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه ، المفترون على الله عزوجل ، فاعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزوجل ،
________________
(١) في نسخة : وخبر من يكون بعدكم.
(٢) في التوحيد المطبوع : في الانسان.