إلى (١) التهديد من الله جل جلاله على ترك مشاورته إلى إيراد أخبار عنه جل جلاله وعن خاصته وإنما أوردنا (٢) هذا المقدار من الأخبار لنوضح أن النقل ورد معاضدا للعقل.
وبيان ذلك أنك لو عرفت أن الله جل جلاله قد آتى رجلا من الحكمة والعقل والرأي مثل (٣) ما أوتي لقمان وجعل له قدرة مثلا على خلق إنسان وخلق ما يحتاج إليه هذا الإنسان من مصالحه ومراشده وأن هذا الحكيم عارف بتدبير هذا الإنسان وبما يسلمه من مهالكه ومفاسده فبنى هذا الحكيم دارا لهذا الإنسان قبل أن يخلقه وأتقنها وكملها وما يعرف أسرار بنائها (٤) وتدبيرها جميعا غير هذا الحكيم ثم عاد إلى الإنسان الذي يريد أن يسكنه فيها (٥) ففطره من عدم محض وجعله ترابا ثم ألف من التراب جوهرا إلى جوهر وعرضا (٦) إلى عرض وجعله جسما وركبه تركيبا عجيبا وكمله تكميلا غريبا ولا يطلع على جميع تدبير هذا الحكيم لهذا الإنسان إلا الحكيم وحده.
فلما بلغ هذا الإنسان وتكمل بقدرة الحكيم المذكور وأسكنه داره بما فيها من عجائب الأمور صار يعدل عن الحكيم في معرفة أسرار الدار وأسرار جسده وتدبيره الذي لا يحيط بجميع قليله وكثيره سوى الحكيم المشار إليه من غير إساءة وقعت من الحكيم ولا تقصير يحتج به هذا الإنسان
__________________
(١) في « م » : إليه في.
(٢) في « د » : أورد.
(٣) ليس في « م ».
(٤) في « د » : بنيانها.
(٥) في « د » و « ش » : هذه الدار.
(٦) العرض بالتحريك : ما يحلّ في الاسم ولا وجود له ولا شخص له ، في اصطلاح المتكلّمين ما لا يقوم بنفسه ولا يوجد في محل يقوم به ، وهو خلاف الجوهر ، وذلك نحو حمرة الخجل وصفرة الوجل « مجمع البحرين ـ عرض ـ ٤ : ٢١٥ ».