صائم ـ ليحلق رأسه ، فالتمسوه أن يوقظوني من النوم فأبى ، فأمروا الخادم أن يمضي من خلفه فمضى ، فلمّا التفت قدّس سرّه إليه نهاه عن اتّباعه ، فوقف الخادم يسيراً ثمّ لحقه ، فالتفت قدّس سرّه ثانياً ووجده خلفه فنهره وأمره بالرجوع ، فرجع الخادم ، ومضى قدّس سرّه وحده ودخل الحمّام ونزع ثيابه ، ومضى إلى داخل الحمّام ، فلمّا حلق رأسه مضى إلى الخزانة ـ وكان ماء الخزانة في غاية الحرارة ، وهو في غاية الضعف العارض من صوم ثمانية وعشرين يوماً ، وهو بذلك السن (١) ـ ، فلمّا أن دخل الخزانة أخذه الماء وأغرقه ولم يكن في الخزانة غيره .. فلمّا أن رسب مرّتين أو ثلاثاً أتى قصاب اسمه ـ كمسمّاه ـ : صالح ، فأخرجه من دون أن يعرفه ، فلمّا أخرجه وعرفوه أرسلوا خلفي فأتيت مسرعاً ووجدتهم ملقين له على دكة المسلخ فلم أجد فيه نفساً ولا نبضاً ، فأرسلت فجاؤوا بماء ورد وصندل مسحوق والطين المختوم ومزجتها ولطختها على جبهته ورأسه وقلبه ، فلمّا أن مضى مقدار ردّت نفسه .. وأمرنا قدّس سرّه أن نحمله إلى الدار فحملناه فتمرض واشتدت به الحمى ، وزالت شاهيته إلى ليلة سابع شوال ـ حيث كان في غاية الشدة ـ فدخل عليه من خواصّه حضرة السيّد العلاّمة والحبر الفهّامة السيّد عبدالرزاق الحلو والشيخ العدل الفاضل الشيخ هاشم (٢) مقسّم بيت المال ، فجلسا قدامه وجلست عند رأسه; فسأله الشيخ هاشم عن حاله بالتركي وأجاب بمقتضى الحكمة بالعربي ليفهم السيّد أيضاً ، فقال : كيف حال من تهيّأ للموت؟
وحيث إنّي لم أكن سامعاً منه إلى ذلك الوقت كلمة على غير وجه الحقيقة جزمت بأ نّه انكشف له ببعض الأسباب أنّه راحل فيريد بتلك الكلمة أن نتهيأ
__________________
(١) الظاهر : بتلك السن.
(٢) ستأتي لهما ترجمة مفصّلة في تلامذة الشيخ الكبير ، فراجع.