مصلحة وراء العناوين الواقعيّة حتّى يقال : إنّ المسألة من مصاديق اجتماع الأمر والنهي ، وليس الأمر كذلك ؛ فإنّ العنوان المتوهّم هنا هو سلوك الأمارة ، وليس السلوك إلّا عبارة اخرى عن العمل بمؤدّى الأمارة ، فلو قامت على وجوب الجمعة مثلا فمؤدّاها وجوب الجمعة ، والعمل بمؤدّاها ليس إلّا عبارة اخرى عن إتيان الجمعة ، فلو فرضت حرمتها واقعا لزمت المحذورات ، ولو فرض كون قيام الأمارة سببا لحدوث ملاك فيها وجب الكسر والانكسار بين الملاك الذاتي والطاري وكان الحكم تابعا لأقواهما فهذا البيان لا يصحّح الجمع بين الحكمين فافهم. (١)
ويمكن الجواب عنه بأنّا نمنع عدم كون السلوك عنوانا آخر وراء العناوين الواقعيّة ؛ إذ السلوك هو اعتناء بقول العادل وتصديق عملي له بتطبيق العمل على وفق قوله وحصر الأعمال فيما أخبر العادل به. وهذا العنوان غير عنوان أصل العمل ، وهو مشتمل على مصلحة ملزمة ؛ ولذا يجب تطبيق العمل عليه ولو فيما إذا أخبر العادل باستحباب شيء عند إرادة العمل.
وبعبارة اخرى : فكما أنّ التقليد أمر وراء نفس العمل ، وربّما يأتى العمل بلا تقليد واستناد إلى رأى المجتهد ، فكذلك اتّباع العادل في قوله عنوان آخر غير نفس الإتيان بالمؤدّى ، وربّما ينفكّ العمل عن الاتّباع عن العادل وتصديقه كما لا يخفى. والانفكاك المذكور يكفي في المغايرة.
وعليه فالمصلحة والملاك في الحكم الظاهري بناء على السببيّة ليست قائمة في نفس العمل بعنوانه الأوّلي المتعلّق للحكم الواقعي ، بل قائمة بعنوان آخر كعنوان اتّباع الأمارة وسلوكها. وعليه فلا يجتمع الحكمان المتضادّان في عنوان واحد ، والحكمان المذكوران لو وصلا يتزاحمان ، وأمّا مع عدم وصول أحدهما وهو الحكم
__________________
(١) نهاية الاصول : ٤٤٦ ـ ٤٤٨.