أفعاله يحمل بحسب بناء العقلاء على كونه صادرا عنه لغاية وكون المقصود منه غايته الطبيعية العادية وحيث أنّ الغاية العادية للتلفظ إفادة المعنى فلا محالة يحكم المستمع للفظ (قبل اطّلاعه على المعنى المقصود منه) بكون التكلّم به لغاية وفائدة وكون الغاية المنظورة منها إفادة معناه (أيّ شيء كان) وليس هذا مربوطا بباب دلالة الألفاظ على معانيها بل هو من باب بناء العقلاء على حمل فعل الغير على كونه صادرا عنه لغايته الطبيعية وهذا مقدّم بحسب المرتبة على الدلالة الثابتة للفظ بما هو لفظ موضوع على معناه المطابقي أو التضمّني أو الالتزامي لأنّه من باب دلالة الفعل لا اللفظ بما هو لفظ موضوع ويحكم به العقلاء قبل الاطّلاع على المعنى الموضوع له.
وهذا البناء من العقلاء كما يكون ثابتا في مجموع الكلام كذلك يكون ثابتا في أبعاضه وخصوصيّاته فكما أنّ نفس تكلّمه (بما أنّه فعل من الأفعال الاختيارية) يحمل على كونه لغايته الطبيعية العادية فكذلك الخصوصيّات المذكورة في الجملة من الشرط أو الوصف أو غيرهما تحمل (بما هي من الأفعال الصادرة عنه) على كونها لغرض الإفادة والدخالة في المطلوب فإنّها غايتها العادية وكما لم تكن دلالة نفس الجملة على كونها لغرض إفادة المعنى دلالة لفظية وضعيّة بل كانت من جهة بناء العقلاء (المتقدم بحسب الرتبة على الدلالة اللفظية المنطوقيّة) فكذلك دخالة الخصوصيّة المذكورة في الكلام على كونها للدخالة في المطلوب ليست من باب دلالة اللفظ بما هو لفظ موضوع بل هي من باب بناء العقلاء ومن باب دلالة الفعل بما هو فعل انتهى موضوع الحاجة (١).
ولكن لا يخفى ما فيه أوّلا أنّ النسبة المذكورة إلى القدماء غير محرزة بل يخالفه ظاهر ما حكى عن الحاجبي من أنّ المنطوق ما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق والمفهوم
__________________
(١) نهاية الاصول : ج ١ ص ٢٩٠ ـ ٢٩٤ مع تقديم وتأخير واختلاف يسير.