باب المعاملات لم يجعل لها على نحو صرف الوجود لتكون صحّتها كالعبادات منتزعة عن انطباقها على الفرد الموجود وفسادها من عدم انطباقها عليه.
وذلك لامتياز المعاملات عن العبادات في أنّ نسبة المعاملات إلى الإمضاء الشرعيّ في إطار أدلّته الخاصّة نسبة الموضوع إلى الحكم لا نسبة المتعلّق إليه ، وهذا بخلاف العبادات كالصلاة ونحوها فإنّ نسبتها إلى الحكم الشرعيّ نسبة المتعلّق لا الموضوع ، وحيث إنّ موضوع الحكم في القضايا الحقيقيّة قد اخذ مفروض الوجود في مقام التشريع والجعل دون متعلّقه تدور فعليّة الحكم مدار فعليّة موضوعه فيستحيل أن يكون الحكم فعليّا فيها بدون فعليّة موضوعه فلا حكم قبل فعليّته إلّا على نحو الفرض والتقدير فلكلّ فرد حكم على حدة عند تحقّقه ولا معنى للصحّة إلّا الحكم بترتّب الأثر على الفرد الموجود في الخارج وعليه فالصحّة والفساد في المعاملات مجعولين شرعا بخلاف العبادات (١).
يمكن أن يقال أوّلا أنّه لا فرق بين العبادات والمعاملات في أنّ تعلّق الأحكام بهما على نهج ضرب القانون ومقتضاه هو أن تلاحظ المعاملات كالعبادات بنحو الكلّيّ ويتعلّق بها الإمضاء كالقول بأنّ (من حاز ملك) و (من سبق إلى شيء صار أحقّ) وقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) وقول النبيّ صلىاللهعليهوآله (الصلح جائز) وغير ذلك فإنّ المقصود بها إنشاءات لا إخبارات كما ذهب إليه المحقّق الأصفهاني قدسسره حيث قال : إنّ (أحلّ الله البيع) إخبار بالاعتبار عند تحقّق البيع الإنشائيّ ونحوه في الخارج وقوله عليهالسلام (من حاز ملك) إخبار بتحقّق الاعتبار عند تحقّق العنوان في الخارج (٢).
فإنّ الإخبارات لا تناسب دأب وديدن المقنّنين فإنّهم أنشئوا الأحكام على الموضوعات بنحو القضيّة الحقيقيّة لا أنّهم أخبروا بالاعتبار والإنشاء فيما سيجيء
__________________
(١) راجع المحاضرات : ج ٥ ص ٩ و ١٠.
(٢) نهاية الدراية : ج ٢ ص ١٤٦ و ١٤٧.