فيما إذا رتب عليه الواجب لو سلم أصلا ، ضرورة : أنه وإن لم يكن الواجب منها حينئذ غير الموصلة ، إلّا إنه
ليس لأجل اختصاص الوجوب بها في باب المقدمة ؛ بل لأجل المنع عن غيرها المانع عن الاتصاف بالوجوب هاهنا ، كما لا يخفى.
______________________________________________________
«قدسسره» ـ إنما هو بملاحظة النهي من المولى عن المقدمات الأخر ، والنهي مانع عن تعلق الوجوب الغيري بها ، هذا بخلاف ما نحن فيه ؛ فالمفروض : هو وجوب المقدمات المباحة سواء كانت موصلة أو غيرها ، ومع هذا الفرق فقياس ما نحن فيه بالمثال المذكور ـ في استدلال صاحب العروة ـ قياس مع الفارق ، فلا يدل على انحصار الوجوب بالموصلة في كل المواضع.
وقد أشار إلى الوجه الأول من الجواب بقوله : «مع أن في صحة المنع كذلك نظر». وهذا ما سبق الوعد بقولنا : فانتظر ، وحاصل هذا الجواب على ما في «منتهى الدراية ج ٢ ، ص ٣٢٩» ـ : أن في صحة المنع عن المقدمات ، إلّا الموصلة إشكالا ، وهو : أنه يلزم من هذا المنع أحد محذورين : وهما : طلب تحصيل الحاصل ، وعدم كون ترك الواجب النفسي مخالفة وعصيانا ، وتوضيحه منوط ببيان أمور مسلمة :
الأول : إن المانع الشرعي كالمانع العقلي ، فالإخلال بواجب لمانع شرعي لا يعد عصيانا ومخالفة موجبة لاستحقاق المؤاخذة.
الثاني : أن الحكم المترتب على عنوان لا يحصل إلّا بتحقق ذلك العنوان ، فإن أنيط ذلك العنوان بشيء فلا بد من توقفه على ذلك الشيء.
وبالجملة : فالمقيد بما هو مقيد لا يترتب عليه الحكم إلّا بعد وجود قيده.
الثالث : أن تحصيل الحاصل محال ؛ فلا يتعلق الطلب بما هو حاصل لعدم القدرة عليه كما هو واضح.
إذا عرفت هذه الأمور ، فاعلم : أن النهي عن المقدمات إلّا الموصلة يستلزم عدم كون ترك الواجب النفسي عصيانا ، إذ المفروض : أن تركه مستند إلى المانع الشرعي وهو : النهي عن مقدماته ، وقد عرفت : أن الممنوع شرعا كالممنوع عقلا ، هذا هو أحد المحذورين.
وأما المحذور الآخر ـ وهو طلب تحصيل الحاصل ـ : فلأن عنوان الموصلية لا يحصل للمقدمة إلّا بعد ترتب ذي المقدمة عليها ، فإذا ترتب ذوها عليها فقد تحقق لها عنوان الموصلية. ومن المعلوم حينئذ : امتناع تعلق الطلب بالواجب النفسي ، لكونه موجودا ، فيكون طلبه من طلب الحاصل ، وقبل تحقق عنوان الموصلية للمقدمة لا يقدر شرعا على إتيان الواجب النفسي للنهي عن مقدماته.