كذلك ، باعتبار ان متعلق النهي حيث انه صرف الترك فلا يمكن تحققه إلا بإعدام جميع افراد تلك الطبيعة في الخارج عرضاً وطولا ، ضرورة انه مع الإتيان بواحد منها لا يتحقق صرف تركها خارجاً ، ومتعلق الأمر حيث انه صرف الوجود فيتحقق بإيجاد فرد منها ، وبعده لا يبقى مقتض لإيجاد فرد آخر. وهكذا.
ولنأخذ بالمناقشة في كلا هذين الأمرين معاً ـ أعني المبنى والبناء ـ.
اما الأول ـ فيرده ان النهي بماله من المعنى مادة وهيئة يباين الأمر كذلك فلا اشتراك بينهما في شيء أصلا. وهذا لا من ناحية ما ذكره جماعة من المحققين من ان النهي موضوع للدلالة على الزجر والمنع عن الفعل باعتبار اشتمال متعلقه على مفسدة إلزامية ، والأمر موضوع للدلالة على البعث والتحريك نحو الفعل باعتبار اشتماله على مصلحة إلزامية ، وذكروا في وجه ذلك هو ان النهي لا ينشأ من مصلحة لزومية في الترك ، ليقال ان مفاده طلبه ، بل هو ناشئ من مفسدة لزومية في الفعل. وعليه فلا محالة يكون مفاده الزجر والمنع عنه ، فاذن لا وجه للقول بان مفاده طلب الترك أصلا.
فما ذكرناه من ان النهي بما له من المعني يباين الأمر كذلك ليس من هذه الناحية ، بل من ناحية أخرى.
فلنا دعويان :
الأولى ـ ان التباين بين الأمر والنهي في المعنى ليس من هذه الناحية.
الثانية ـ انه من ناحية أخرى.
اما الدعوى الأولى فلما ذكرناه غير مرة من ان تفسير الأمر مرة بالطلب ومرة أخرى بالبعث والتحريك ، ومرة ثالثة بالإرادة ، وكذا تفسير النهي تارة بالطلب ، وتارة أخرى بالزجر والمنع ، وتارة ثالثة بالكراهة لا يرجع بالتحليل العامي إلى معنى محصل ، ضرورة ان هذه مجرد ألفاظ لا تتعدى عن مرحلة التعبير