قاعدة قبح العقاب بلا بيان غفلوا عن أن روح هذه الدعوى مرجعها إلى تحديد مولوية المولى وحق طاعته بحدود التكاليف المعلومة فقط ، وأمّا غيرها فلا حقّ له فيها على عبيده ، وحينئذٍ كيف يمكن إدراج تكليف في دائرة حق الطاعة بمجرّد جعل الطريقية له من قبل الشارع؟ فإنّ جعل الطريقية والكاشفية لا يزيد على أنّه تفنّن في مقام التعبير عن واقع ذلك المطلب الذي بيّناه.
هذا على مسلك المشهور من الأصوليين. وأمّا بناءً على المسلك الذي اختاره أستاذنا الشهيد فإنّه كان يعتقد أنّ العقل العملي كما يدرك أصل حق الطاعة للمولى الحقيقي ، كذلك يدرك حدود هذا الحق ، ويرى أنّ دائرته أوسع من التكاليف المقطوعة بل يشمل المظنونة والمشكوكة ، والمحتملة احتمالاً بنحو لا يرضى بفواتها لو كانت ثابتة في الواقع ، وهكذا يتضح أنّ الحجية والمنجزية من الشؤون الذاتية لمولوية المولى وحق طاعته ، فلو قلنا : إنّ العقل العملي يدرك تلك الدائرة الوسيعة من حق المولى لتشمل المحتملات أيضاً لكانت حجية الاحتمال عقلاً ذاتية على حدّ ذاتية الحجّية للقطع مع بعض الفوارق التي ذكرت في محلّها. وبذلك يتبيّن عدم صحّة قاعدة قبح العقاب بلا بيان بالنحو الذي تصوّره المشهور ، وبانهدامها تسقط كلّ تلك الآثار والأفكار التي ترتّبت على هذا الأصل الموضوعي المزعوم ، كما هو محقّق في مظانّه» (١).
وبهذا نصل إلى أنّ الرجوع إلى الجذور الأساسية لقاعدة قبح العقاب بلا بيان أوصل الأستاذ الشهيد إلى نتيجة مخالفة تماماً لما انتهى إليه أساطين الفقه في العصر الثالث من عصور العلم ، ولم يكن الوصول إلى تلك النتيجة ميسوراً لولا