بناءً على هذا المسلك ، فإنّ دليل القاعدة وإن كان منفصلاً عن أدلّة الأحكام الأوّلية ، إلّا أنه يُفرض متّصلاً بها. وعلى هذا الأساس فدليل القاعدة وإن لم يقع طرفاً للمعارضة مع مجموع الأدلّة ، بل مع كل واحد واحد منها ، لكن لما كان الفاصل الزمني غير موجود على هذا الفرض ، فتكون القاعدة كأنّها متصلة مع تلك الأدلّة ، فتقدّم عليها لكونها أخصّ من المجموع ، كما لو قال الشارع في مجلس واحد : يجب الوضوء ويجب الغسل ، ويجب الصوم على كل مكلّف ، ولا يثبت وجوب ضرري. فنفي الضرر هنا بعدم ظهور تلك الأدلّة في العموم ، لكونه أخصّ من المجموع ، فيصلح عرفاً للقرينية عليها ، لكن لا حقيقة وواقعاً بل حكماً. وهذا هو المعبّر عنه في كلمات المحقّق النائيني (قدِّس سرّه) والذي أرسله كأصل مسلّم به ، من أنه كلما كان على فرض اتصاله قرينة هادمة للظهور ، كان في فرض الانفصال قرينة هادمةً للحجّية.
والإنصاف أن هذا التقريب بناءً على المسلك الثاني في غاية المتانة ، وإن لم يكن تامّاً على المسلك الأوّل المتداول في كلمات القوم.
التقريب الثالث : أن دليل القاعدة وإن كان يتعارض مع كل دليل من تلك الأدلّة بنحو العموم من وجه ، لكن لما كانت نسبته مع جميع الأدلّة نسبة واحدة فلو قدّم عليه كل واحد منها ، فلا يبقى له مورد أصلاً ، وللزم إلغاء القاعدة. ولو قدمنا بعضها دون بعض فهو ترجيح بلا مرجّح ، فيتعيّن أن تتقدّم هذه على سائر الأدلّة ، لعدم لزوم أي محذور لبقاء حكمها في غير مورد الضرر (١).
__________________
(١) منية الطالب ، ج ٢ ، ص ٢١٣.