واقعاً في نظر الشارع ، كما هو الحال في تمام أحكامه حتى الجهاد ، فإنه امتنان على العباد ، ولكن ليس أيضاً بملاك أي غرض وإن كان شاذاً ومنحرفاً عن العرف العام ، بل المناط في تشخيص كون الامتنان عرفياً هو النظر العقلائي العام. فمثلاً حينما يريد الأب أن يكلِّم ولده بلغة العطف والامتنان ، فإنه لا يظهر ذلك من خلال منعه من الوصول إلى جملة من أغراضه ، وإن كانت مصلحته الواقعية في ذلك ، وإنما يمنّ عليه بما هو امتنان بحسب النظر العرفي. إذن لا بأس بشمول إطلاق «لا ضرر» لهذا النحو من الإقدام وإن أدّى إلى فوات غرضه خارجاً.
وأمّا الثاني وهو ما إذا كان الغرض عقلائياً ، فهنا تارة يكون جريان القاعدة موجباً لامتناع وقوع الضرر خارجاً ، إما تكويناً أو تشريعاً. والأول من قبيل ما إذا أقدم المغبون العالم بالغبن على إيقاع معاملة غبنية مع إسقاط خياره ، لأنه شخّص أن مصلحته لا تتحقّق إلّا من خلال لزوم المعاملة ، ولو من باب أنه لو كانت المعاملة غير لازمة لما أقدم عليها الطرف الآخر ، مع فرض حاجته إليها. فلو جرت القاعدة لنفي اللزوم ، فهذا معناه وقوع المغبون في الضرر تكويناً ، لأنه يؤدّي إلى منعه من الوصول إلى غرضه العقلائي ، فيكون على خلاف الامتنان ، فلا تجري القاعدة في مثل ذلك. والثاني وهو الامتناع التشريعي ، كما لو فرض أنه كان له غرض عقلائي في إيقاع نفسه في الضرر كقطع يده مثلاً ، فلو خلّينا نحن وإطلاق القاعدة ، فإنه يمكن أن يستفاد منه الحرمة شرعاً ، والممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً. فلو قلنا بشمول «لا ضرر» للمقام فإنه يوجب امتناع تحصيله لغرضه شرعاً ، وهذا خلاف الامتنان ، فلا تجري القاعدة أيضاً.