منهجية الجعيدي
أبدى الجعيدي في مقدمة رحلته الخطوط الأساسية لمذكرة سفره ، حيث قسمها إلى أجزاء وأبواب مع تصور للموضوع وتحديد الغاية منه في تواضع واعتذار عن عدم استيفائه للمقصود ، لهذا فإن منهجيته (١) تعكس مستواه الفكري والعلمي ، فتكوينه في علم الحساب والهندسة جعلت مكانته بارزة بين أفراد البعثة المغربية ، بل فرض وجوده إلى حد ما على السفير الزبيدي في التعامل مع الأشياء التي تحتاج إلى الدراية العلمية والإحصائية وما أكثرها إذ ذاك في أوربا الناهضة في مختلف المجالات.
لهذا فإن منهجيته في الكتابة تختلف عن منهج التدوين الذي كان سائدا في عصره عند الفئة المثقفة. لذلك ابتعد من الاستطراد وحشو مؤلفه بكتابة الغير ، فأسلوبه جاء أسلوبا متميزا بالسرعة والحركة والتداخل. كما تميز أسلوبه بالدقة في وصف الأحداث ، غير أنه اصطدم لغويا كغيره بالحضارة الأوربية العصرية ، خاصة في التعبير العلمي باللغة العربية عن المستحدثات العلمية ، ولملء هذا الفراغ اضطر الجعيدي كغيره في القرن ١٩ م ، إلى إدخال المصطلحات الأجنبية (٢) والعامية المغربية في كتابته قصد التعبير على ما شاهدوه في أوربا. ومن الناحية الشكلية يؤخذ على صاحب الرحلة كثرة الأخطاء الإملائية واللغوية ، ويختصر في الكلام عند حديثه
__________________
(١) المنهج أو الطريقة سلسلة من العمليات المبرمجة للوصول إلى النتائج المرغوب فيها أو تحقيق الخطة المنشودة ، وما أكثر سلسلة هذه العمليات في عالم الرحلة الحافلة بالمفاجأة والصدف. لهذا اختلفت مناهجهم باختلاف مستواهم الفكري وصنف الرحلة ، وبالتالي اختلفت كتابتهم لغة وأسلوبا وشكلا ومضمونا تبعا لمشارب أصحابها وتكوينهم.
(٢) اصطدمت اللغة العربية السالفة بالحضارة الأوربية العصرية منذ ما يقرب من قرنين أو أكثر و«دخول المصطلحات الأجنبية بكثرة فاحشة في اللغة مثل أجسام أجنبية دخيلة على البدن الأصل ، وما دامت لم تتمثل فإن مصيرها الرفض لا محالة ، إلا إذا غلب البدن على أمره فيكون مصيره الموت لا محالة». أحمد الأخضر غزال ، مجلة البحث العلمي ، عدد ١٤ و١٥ ، السنة ٦ : ٥١ بتاريخ ٦ دجنبر ١٩٦٩ م.