ظهره برميلا فيه خنشة من البارود ، ووزنهما معا كما ذكروا ثمانية وستون كيلوا ، وهي تعدل قنطارا وستة وثلاثين رطلا تقريبا ، /٣٢٤/ ووضعوهما بين أيدي الطبجية قرب المدفع ، ثم أتوا بكورته في كدش وهي مستطيلة محددة الرأس ، ورفعوها بالبوجي المتصل بكريطة هذا المدفع ، وأداروا البوجي عند رفعه لها حتى سامت فم الخزنة ودفعوها إليها حتى حلت محلها من الخزنة ، ثم ألحقوا بهاتينك الخنشتين من البارود ، وسدوا الخزنة على الجميع بالكيفية السابقة ، وسغنسوا أي تقبوا خنشة البارود من ثوب الخيش على الكيفية المعهودة ، وركبوا النيشان الذي يحققون به الإشارة التي يرمونها في الجهة اليسرى من خزنة المدفع لا فوقه أو وسطه ، وحققوا به مسامتة الإشارة ، وركبوا في الخبش حلقة النار التي بها يخرجون عمارته ، بعد ما ركبت فيها قنبة طويلة ، ثم تكلم واحد منهم بالبوق للإعلام بخروج هذا المدفع ليكون منه على بال من جهة الإشارة من الناس ، وبعد ذلك أخرجوه ، فكان له صوت (١) مرهب لم أسمع مثله قط ، وحسست بشيء يروم الخروج من أذني وبقي بهما طنين كثير مدة من الزمان ، وحريق مؤلم كما تتألم العين بالفلفل ، وسبب هذا أني كنت عن يمين المدفع مسامت لفمه ، وبانتشار صوت المدفع لتلك الجهة أصابني ما أصابني والحمد لله على السلامة ، وأما من كان وراء هذا المدفع بعيدا عنه أو قريبا فإنما تعجب من ذلك الصوت الهائل وتشكى بأذنيه أيضا ، وقالوا إن هذه الكورة أصابت رأس اللوحة التي كانت منصوبة إشارة ، لكني لم أر أثرا لذلك لأن بينهما وبين المدفع اثنتا عشرة مائة متر ، وكانوا أخرجوا عمارات بمدافع الجر الصغيرة قبل هذا ورموا بها ألواحا أخرى منصوبة ، وقالوا إنها كانت تصيبها تلك الكنبرة ، والذي كنت أشاهده أن تلك الكنبرة عند وصولها للوحة الإشارة تتفرقع هناك ، لأنها مملوءة بالخفيف المصنوع من روح التوتية كما قيل ، أو منهما معا ، فحين رأونا وقع لنا الشك فيما يقولونه من إصابة
__________________
(١) كان البارود المستعمل في المدفعية حتى سنة ١٨٣٠ م ، يتكون من حبات صغيرة والتي تعطي دويا لمدة قصيرة ، تستعمل لتحطيم أهداف قريبة ، وحوالي ١٨٥٥ م بدأت المدفعية تستعمل القذائف الطويلة والثقيلة بفضل تطور صناعة الصلب بأوربا.
Histoire générale des techniques, Tome. IV; Techniques Militaires.