مبنية مرتفعة على سوار ، فوقها تصاوير منها رجل عظيم الخلق ، في أحد طرفي القبة خارجا عنها بيده شيء كالبوق وكأنه ينفخ فيه ملتفتا (١) إلى يساره لناحية الجنوب ، وآخر مثله ملتفت ببوقه في فيه ، ماسكه بيده إلى ناحية الشمال ، وبينهما صور ثيران باركة ، نحو أربع صور في مواضع بقرب القبة أسفل هذه الصور ، / ٥١ / صور أسود عديدة كاشرة أنيابها كما تقدم تحت كل أسد صورة ثور. والأسد إحدى يديه موضوعة على الثور والأخرى على المحل الذي هو به ، ثم رأينا صاحب السر المذكور حيث رأى تلك القبة وخروج الماء من أسفلها على تلك الصفة ـ خرج من الكدش قاصدا الصعود إلى تلك القبة ، فتبعنا أثره فوجدنا لها معارج عن اليمين واليسار ، ابتداؤها معكوف كأنه نصف دائرة ، سببه ـ والله أعلم ـ هو ارتفاع القبة وضيق المساحة التي بينها وبين الطريق الممرور عليه. فلولا انعكافها لكانت الدرج مرتفعة غير منبسطة وبانعكافها صارت منبسطة ، فارتقينا فيها إلى القبة فأشرفنا على الماء الجاري الذي يخرج من تحتها وهو واد عظيم (٢) عريض غاية. ووجدنا هذه القبة من ناحية ذلك الوادي محملة على خمس سوار ، وفي رأس كل سارية صورة رأس آدمي فوق رأسه لحية حجر منجورة ، كاللحية التي تكون / ٥٢ / فوق السارية التي يبنى عليها ، والقبة مرفوعة فوق هذه الرؤوس التي تقدم لها هذا العذاب الأليم في دار الدنيا ، فكيف بها بدار المقيم. ورأينا بحافتي النهر المذكور عراصي (٣) قابلنا منها من جهتنا أشجار متصل بعضها ببعض ، مخضرة أوراقها كأنها هي الزرب ، ومنها إلى نواحي الطرق بمقدار ثلاثة أذرع كالسياج لكنه منحدر غاية ، وقد غرس في ترابه من النوار المختلفة الألوان والأشكال ، كل لون في محل يناسبه. فتخاله كزربية بديعة التزويق في غاية التنميق ، والصبيان يمرون بها مع أمهاتهم ، ولا ترى واحدا ينزع شيئا من تلك النوار ، وإنما يتركون ذلك تحسينا للنظر ومصلحة للبصر. وبعض العراصي
__________________
(١) في الأصل ملتفة : ـ خطأ ـ.
(٢) يقصد قناة مرسيليا Marseille Canal (نفس المرجع السابق).
(٣) انظر شرحها في الملحق رقم : ٤.