فائدة
: وأما كلام
الصوفية في القرآن ، فليس بتفسير. قال النسفي في عقائده : النصوص محمولة على
ظواهرها ، والعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطن إلحاد. وقال التفتازاني في
شرحه : سميت الملاحدة باطنية لا دعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها ، بل لها معان
باطنة لا يعرفها إلا المعلم. وقصدهم بذلك نفي الشريعة بالكلية. وأما ما ذهب إليه
بعض المحققين من أن النصوص مصروفة على ظواهرها ، ومع ذلك فيها إشارات خفية إلى
دقائق ، تنكشف على أرباب السلوك ، ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة ، فهو
من كمال الإيمان ومحض العرفان.
فإن قلت قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لكل آية ظهر وبطن ، ولكلّ حرف حدّ ، ولكل حد مطلع» .
قلت : أما
الظهر والبطن ففي معناه أوجه : أحدها أنك إذا بحثت عن باطنها وقسته على ظاهرها ،
وقفت على معناها. والثاني ما من آية إلا عمل بها قوم ولها قوم سيعملون بها ، كما
قاله ابن مسعود فيما أخرجه. والثالث أن ظاهرها لفظها وباطنها تأويلها. والرابع ،
وهو أقرب إلى الصواب ، أن القصص التي قصها الله تعالى عن الأمم الماضية ، وما
عاقبهم به ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين ، وباطنها وعظ الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا
كفعلهم. والخامس أن ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر ، وبطنها ما تضمنه
من الأسرار أطلع الله عليها أرباب الحقائق.
ومعنى قوله :
ولكل حرف حد ، أي منتهى فيما أراد من معناه. وقيل : لكل حكم مقدار من الثواب
والعقاب. ومعنى قوله : ولكل حد مطلع ، لكل غامض من المعاني والأحكام مطلع يتوصل به
إلى معرفته ، ويوقف على المراد به. وقيل : كل ما يستحقه من الثواب والعقاب ، يطلع
عليه في الآخرة عن المجازاة.
وقال بعضهم :
الظاهر التلاوة ، والباطن الفهم ، والحد أحكام الحلال والحرام ، والمطلع الإشراف
على الوعد والوعيد. قال بعض العلماء : لكل آية ستون ألف فهم فهذا يدل على أن في
فهم المعاني للقرآن مجالا متسعا ، وأن
__________________