زيدا أو عمرا أو خالدا» فإن أتى واحدا منهم أو كلّهم كان عاصيا. كما أنّك إذا قلت : «اجلس إلى فلان أو فلان أو فلان» فجلس إلى واحد منهم أو كلّهم كان مطيعا. فهذا مخرجه من العربية. وأرى الذين قالوا : «إنّما» أو «بمنزلة الواو» إنما قالوها لأنهم رأوها في معناها. وأما (وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون) فإنما يقول (أرسلناه إلى مئة ألف) عند الناس ، ثم قال (أو يزيدون) [الصّافات : الآية ١٤٧] عند الناس ، لأنّ الله تبارك وتعالى لا يكون منه شكّ. وقد قال قوم : إنّما «أو» ها هنا بمنزلة «بل» وقد يقول الرجل «لأذهبنّ إلى كذا وكذا» ثم يبدو له بعد فيقول «أو أقعد» فقال ها هنا (أرسلناه إلى مئة ألف) عند الناس ، ثم قال (أو يزيدون) [الصّافات : الآية ١٤٧] عند الناس ، أي أن الناس لا يشكون أنهم قد زادوا. والوجه الآخر هكذا ، أي «فكذا حال الناس فيهم» أي : إن الناس يشكون فيهم. وكذا حال «أم» المنقطعة إن شئت جعلتها على «بل» فهو مذهب حسن. وقال متمّم بن نويرة (١) : [الوافر]
١٧ ـ فلو كان البكاء يردّ شيئا |
|
بكيت على جبير أو عفاق (٢) |
على المرأين إذ هلكا جميعا |
|
بشأنهما وحزن واشتياق |
وقال ابن أحمر (٣) : [الطويل]
__________________
(١) متمم بن نويرة : هو أبو نهشل متمم بن نويرة بن جمرة بن شداد بن عبيد بن ثعلب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، من سادات قومه وأشرافهم وفرسانهم وشعرائهم ، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ، فأسلم ، وحسن إسلامه وعدّ من الصحابة ، يقال له : أبو نهشل ، وأبو تميم ، وأبو إبراهيم ، أخوه مالك بن نويرة الملقب «بالجفول» وهو الذي قتله ضرار بن الأزور بأمر خالد بن الوليد ، فرثاه متمم بقصيدة شهيرة.
قدم متمم على أبي بكر الصديق فأنشده مراثي أخيه مالك وناشده في دمه وفي سبيهم فردّ أبو بكر إليه السبي ، وأغلظ عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد في أمر مالك ، وعذره أبو بكر.
توفي متمم بن نويرة نحو سنة ٣٠ ه (معجم الشعراء المخضرمين والأمويين ص ٤٢٢).
(٢) البيتان لمتمم بن نويرة في ديوانه ص ١٢٤ ، والأزهية ص ١١٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٣١ ، ولسان العرب (عفق) ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى ٢ / ٥٨.
(٣) ابن أحمر : هو أبو الخطاب عمرو بن أحمر بن العمرّد بن عامر الباهلي ، شاعر مخضرم عمّر طويلا ، عاش نحو ٩٠ سنة. اشتهر في الجاهلية ، وأسلم وغزا مغاز كثيرة في الروم وأصيبت إحدى عينيه. نزل بالشام مع خيل خالد بن الوليد حين وجهه إليها أبو بكر ، ثم سكن الجزيرة.
أدرك أيام عبد الملك بن مروان ، وله مدائح في عمر وعثمان وعلي وخالد. وهجا يزيد بن معاوية ، فطلبه يزيد فهرب. كان يتقدم شعراء عصره ، وعدّه ابن سلام الجمحي في الطبقة الثالثة ـ