وقال الله تبارك وتعالى (ذوقوا فتنتكم هذا الّذى كنتم به تستعجلون) (١٤) [الذّاريات : الآية ١٤] فذكّر بعد التأنيث كأنه أراد : هذا الأمر الذي كنتم به تستعجلون. ومثله (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي فلما أفلت) [الأنعام : ٧٨] فيكون هذا على : الذي أرى ربّي أي : هذا الشيء ربي. وهذا يشبه قول المفسرين (احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) [البقرة : ١٨٧] قال : إنّما دخلت «إلى» لأن معنى «الرفث» و «الإفضاء» واحد ، فكأنه قال : «الإفضاء إلى نسائكم» ، وإنما يقال : «رفث بامرأته» ولا يقال : «إلى امرأته» وذا عندي كنحو ما يجوز من «الباء» في مكان «إلى» في قوله تعالى : (وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السّجن) [يوسف : الآية ١٠٠] وإنما هو «أحسن إليّ» فلم «إلى» ووضع «الباء» مكانها] وفي مكان «على» في قوله (فأثبكم غمّا بغمّ) [آل عمران : الآية ١٥٣] إنما هو «غمّا على غمّ» وقوله (ومن أهل الكتب من إن تأمنه بقنطار) [آل عمران : الآية ٧٥] أي : «على قنطار» كما تقول : «مررت به» و «مررت عليه» كما قال الشاعر : ـ وأخبرني من أثق به أنه سمعه من العرب : [الوافر]
إذا رضيت عليّ بنو قشير |
|
لعمر الله أعجبني رضاها (١) |
يريد : «عنى». وذا يشبه (وإذا خلوا إلى شيطينهم) [البقرة : الآية ١٤] لأنك تقول : «خلوت إليه وصنعنا كذا وكذا» و «خلوت به». وإن شئت جعلتها في معنى قوله (من أنصارى إلى الله) [آل عمران : الآية ٥٢] أي : «مع الله» ، وكما قال (ونصرنه من القوم) [الأنبياء : الآية ٧٧] أي : «على القوم».
وقال (ثمّ أنتم هؤلاء) [الآية ٨٥] وفي بموضع آخر (هأنتم هؤلاء) [آل عمران : الآية ٦٦] كبعض ما ذكرنا وهو كثير في كلام العرب. وردّد التنبيه توكيدا. وتقول : «ها أنا هذا» و «ها أنت هذا فتجعل «هذا» للذي يخاطب ، وتقول : «هذا أنت». وقد جاء أشد من ذا ، قال الله عزوجل (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) [القصص : ٧٦] والعصبة هي تنوء بالمفاتيح. قال : [مجزوء الوافر]
١١٧ ـ تنوء بها فتثقلها |
|
عجيزتها ......... (٢) |
يريد : «تنوء بعجيزتها» ، أي : «لا تقوم إلا جهدا بعد جهد». قال الشاعر : [البسيط]
__________________
(١) تقدم البيت مع تخريجه برقم ٢٤.
(٢) الشطر لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.