المجال من الاطّلاع الكامل على أسباب الخلاف بين الفقهاء وعلماء الأصول ،
وتحرير محلّ النزاع في المسائل الخلافية التي يكثر الكلام فيها ؛ لكي لا يصدر
الباحث أحكامه جزافا ، وينسب الآراء إلى غير أصحابها والقائلين بها ، وما أكثر
الآراء التي تنسب إلى غير أصحابها جزافا!
فلا بدّ أن يعي
الباحث هذه المسئولية ، وأن يحافظ على قدر من التوازن في أحكامه ، مع الاطّلاع
الكامل على مبتنيات كلّ مدرسة.
ولقد كان
العلّامة الحكيم موفّقا لاكتساب هذه المعرفة المطلوبة للمنهج المقارن ، فهو كما
خطا خطوات مهمّة في كتابه الأوّل (الأصول العامّة للفقه المقارن) ، وأسّس معالم
ذلك المنهج ، وطبّقه عمليا ، كذلك فعل هنا في كتابه هذا ، فقام بوضع المنهج العامّ
في دراسة القواعد الفقهية الرئيسة ، مع عرض لآراء المجتهدين وفقهاء المذاهب
الإسلامية ، ثمّ تقييم تلك الآراء وتمحيصها بحسب الضوابط العلمية الموضوعية
المتّبعة.
٣ ـ الخبرة بأصول
الاحتجاج : مجرّد
المعرفة بأسباب الخلاف لا تكفي ما لم يكن الباحث في المنهج المقارن خبيرا في دراسة
الآراء والمباني العامّة عند المذاهب الإسلامية ومدارسها الفكرية ، ومعرفة مفاهيم
الحجج وأدلّتها ، ومواقع تقديم بعضها على بعض.
وهذه الخبرة لا
تتأتّى إلّا من الخوض في المسائل الخلافية عمليا ؛ فإنّ تحرير الاختلاف بين الآراء
ليس أمرا سهلا يقدر عليه كلّ باحث ما لم يكن قد اكتسب خبرة طويلة في سبر آراء
المذاهب الإسلامية ، ونال قدرا من الاستيعاب في هذا المجال.
ومن يطالع هذا
الكتاب يجد أنّ مؤلّفه يتحلّى بقدر من الاستيعاب والخبرة ، فقد استطاع أن يأتي
بالآراء في الأصول والقواعد الفقهية ، ويعرض مبتنيات هذه الآراء ،