لسان القاعدة ـ كما تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع وكونها واردة مورد الامتنان ـ يقتضي أن يكون المراد به الحرج الشخصي ؛ إذ ليس من المنّة على المكلّف غير المتحرّج من قبل امتثاله لحكم الشارع أن ينفى عنه الحكم ، لا لشيء سوى أنّ غيره متحرّج. (١)
هذا بالإضافة إلى أنّ مقتضى ما استفدناه من حكومة هذه القاعدة على الأدلّة الأوّلية يقتضي ذلك ؛ فالأدلّة المتعرّضة لأحكام الشارع الأوّلية ـ كأدلّة وجوب الصلاة ، والصوم ، والحج ، وغيرها ـ واردة مورد العموم الاستغراقي ، ومقتضاه انحلاله إلى تكاليف متعدّدة بتعدّد من ينطبق عليهم موضوع التكليف ، فكأنّ الشارع وجّه تكاليفه إلى هؤلاء الأفراد جميعهم مباشرة ، وكان لكل فرد منهم تكليفه الخاصّ ، ثمّ جاءت هذه القاعدة فشرحت مراده من هذه الأدلّة ، فكأنّها قالت : إنّ هذه الأحكام إذا استلزم امتثالها حرجا لمن تعلقت به فهي منفيّة عنه.
ثالثا : القاعدة وشمولها للمحرّمات
والذي يبدو من أدلّة قاعدة (لا حرج) أنّ فيها إطلاقا يشمل المحرّمات والواجبات (٢) ، كما أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي ذلك ؛ لأنّ القاعدة امتنانية ، وليس من المنّة إبقاء الحرمة الحرجيّة على حالها.
والمستفاد من قاعدة (لا حرج) أنّها إنّما تنفي خصوص الحكم الذي يحدث امتثاله الحرج ، والمحرّمات ـ نوعا ـ لا نتصور في امتثالها إحداث حرج ما. (٣)
__________________
١ ـ راجع : رسالة في نفي العسر والحرج للآشتياني : ٢٤٩ ـ ٢٥٠. والذي ذهب إليه الأصفهاني هو نفي الأمرين معا ؛ النوعي والشخصي. راجع : هداية المسترشدين ٢ : ٧٥٠.
٢ ـ راجع : مستند الشيعة ١٥ : ٣٢ ، والقواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٦٤.
٣ ـ راجع : رسالة في نفي العسر والحرج للآشتياني : ٢٣٩.