فردا أم جهة عامّة ـ أشدّ مبغوضية للشارع المقدّس من الإضرار بالنفس (١) ؛ لذلك يتجنّب الإضرار بالغير عند المزاحمة ، دفعا للأشدّ بالأخفّ.
ولكنّ هذا التوجيه ليس سليما على إطلاقه ؛ لأنّ الإضرار بالنفس قد يكون أكثر مبغوضية من الإضرار بالغير ، ولذلك أباح الشارع المقدّس في بعض حالات الاضطرار ارتكاب الإضرار بالغير فردا كان أم جهة (٢) ، فمن توقّفت حياته على أكل مال الغير جاز له ، وإن لم يعفه من الضمان ؛ وذلك لشدّة اهتمام الشارع بحفظ النفوس.
نعم ، في الأضرار التي يتسامح الشارع في إحداثها أو إبقائها بالنسبة إلى الشخص ، قد يتمّ ما ورد في هذه القواعد ؛ لوضوح أنّ الإضرار بالغير محرّم في جميع صوره ، فلا يصحّ أن ترفع اليد عنه بالمباح ، وربّما أشارت القاعدة العقلية التي يذكرها الفقهاء في هذا المجال إلى السرّ في هذا التقديم ، والقاعدة هي :
قاعدة : إذا تعارض المانع والمقتضي يقدّم المانع
ويريدون بالتعارض هنا التزاحم ؛ إذ : «لا معنى للمعارضة بين المقتضي والمانع. نعم يتزاحم الشيئان في التأثير ، فأيّهما ترجّح كان هو المانع للآخر». (٣)
والسرّ في التقديم في موضع حديثنا هذا يمكن تقريبه على ضوء هذه القاعدة : بأنّ التزاحم هنا إنّما وقع بين قاعدة السلطنة وهي : (الناس مسلّطون على أنفسهم وأموالهم) التي تعطي بظاهرها الحقّ للإنسان في أن يتصرّف في نفسه أو ماله كما
__________________
١ ـ ذكر الشيخ الأنصاري بأنّ مقتضى القاعدة : أنّه لا يجوز لأحد إضرار إنسان لدفع الضرر المتوجّه إليه. رسائل فقهية : ١٢٢ قاعدة «لا ضرر».
٢ ـ راجع : القوانين الفقهية : ١٩٦ ، وتحرير المجلّة ١ : ١٤٣.
٣ ـ تحرير المجلّة ١ : ١٦٠.