إلّا أنّا يمكن نلتزم في أمثال هذه الموارد من أنّها ذات وظيفة مجعولة من قبل الشارع ، وأنّها غير مغفلة ، وأنّ الوظيفة ـ وإن كانت حرجيّة ـ فهي أضيق من القاعدة فتكون خارجة عنها بالتخصيص ، فتكون النتيجة أنّ كلّ حكم أو وظيفة حرجية غير مجعولة ولا مرادة للشارع إلّا الحكم بعدم الضمان ، أو جعل عدم الطلاق أو نحوها من الأمور الحرجية فإنّها مجعولة هنا وباقية على ما فيها من حرج ، فكأنّها جعلت ابتداء على هذا الحال لمصلحة يراها الشارع فتقدّم بالتخصيص.
سابعا : الإقدام على الحرج
ويمكننا تصوير المسألة بصورتين :
الأولى : أن يكون الفعل حرجيّا في نفسه كالوضوء مثلا ، وطبيعي أنّه مورد من موارد القاعدة ، وتطبيق لها ، فيرتفع وجوب الوضوء ، ولكنّ المكلّف نفسه يتعمّد الوضوء ويقدم عليه ، لا على بدله ، فهل يصحّ منه الوضوء أو يحكم ببطلانه (١)؟
والواقع أنّ هذه المسألة تبنى على ما سبق أن بحثناه تحت عنوان (الحرج بين الرخصة والعزيمة) وانتهينا هناك إلى أنّه رخصة ، فذلك يعني بقاء الملاك وصلاحية التقرّب به ، فيحكم حينئذ بالصحّة.
ومن يقول بالعزيمة لا بدّ أن يذهب إلى البطلان ؛ لأنّ الفعل حينئذ لا يصلح للتقرّب ، فالفرض المذكور من توابع تلك المسألة.
الثانية : أن يقدم الإنسان مختارا على فعل إذا حقّقه وتلبّس به تسبّب له حرج في
__________________
١ ـ ذكر العلّامة محمد حسن الآشتياني : أنّه لا إشكال ظاهرا عندهم في مشروعية العبادات الواجبة فيما يحكم بعدم وجوبها لقاعدة نفي العسر والحرج ، كالصوم الحرجي ، والطهارة الحرجية في الغسل أو الوضوء للغايات الواجبة. رسالة في نفي العسر والحرج : ٢٤٤.