قاعدة مستقلّة يأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى. (١)
نعم ؛ لو أمكن أن نتصوّر أنّ ترك محرّم ما ـ وهو عدم ـ يمكن أن يكون علّة في إحداث ضرر ما ؛ يكون ذلك مشمولا للقاعدة ، إلّا أنّنا لا نتصوّره في جلّ المحرّمات ؛ فهي إذا خارجة عن هذه القاعدة تخصّصا.
وما يقال عن المحرّمات بالتقريب الذي ذكرناه يقال عن الأمور العدميّة.
رابعا : القاعدة والأمور العدميّة
ويقصد بالأمور العدميّة : الأمور التي لم يرد من الشارع حكم فيها ، وعدم وروده يستلزم الضرر.
فالشارع ـ مثلا ـ لم يشرّع الضمان على الدولة لإنسان ما إذا تلف ماله بآفة سماويّة ، وبما أنّ عدم تشريعه ضرر على ذلك الإنسان ، فهل يمكن أن نرفع هذا العدم بقاعدة (لا ضرر)؟ ورفع العدم معناه إيجاد الضمان في المثال ؛ فنحكم بضمان الدولة لهذا الإنسان استنادا إلى هذه القاعدة. (٢)
والجواب على ذلك بالنفي ، ويتّضح ممّا سبق أن ذكرناه من أنّ هذه القاعدة إنّما
__________________
١ ـ وهي قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» يأتي الحديث عنها في صفحة ١٢٠ وما بعدها و ٢٠٦ وما بعدها.
٢ ـ وفي هذه النقطة تختلف النظرية الإسلامية عن النظرية الوضعية بالنظر إلى الكسب الضائع ، فيغلب على النظم القانونية الحديثة الاتجاه إلى حساب التعويض على أساس معدّلات الكسب السابقة ، وما كان يستطيع المتضرّر كسبه لنفسه ولأفراد أسرته لو لم تقع له هذه الإصابة ، ويعني ذلك أنّ التاجر الذي يصاب وهو في سن الخمسين بإصابة تمنعه عن العمل وتلزمه الدار ، سيأخذ تعويضا يقدّر على أساس أرباحه السابقة من عمله ، فإذا كان يكسب مائة قبل الإصابة ، أعطي نسبة كبيرة منها. ويختلف ما يستحقّه ضمانا إذا كان ربحه أكثر من مائة أو أقل منها ، ويقدّر الواجب في مقدار مقطوع على أساس ضرب مقدار هذا الربح في عدد السنوات التي يتوقّع لمثله الاستمرار في هذا العمل. ضمان العدوان في الفقه الإسلامي : ٤٣١.