وأما انتفاء التفريط ، فلأنه فرع وجوب الحفظ أعني حفظ مال الغير أو نفسه ، ووجوب الحفظ فيهما لا دليل عليه ومقتضى الأصل عدمه نعم دلّ الدليل على وجوب حفظ الأمانات بجميع أنواعها كما دل على ضمانه لها لو فرط في حفظها ، ثم أنه هل يفرق بين تغطية الحفيرة بما يمنع من الوقوع فيها عادة أو بما يشير إلى تجنبها والابتعاد عنها احتمالان.
ومقتضى الأصل واطلاق النصوص المتقدمة ، بل وإطلاق قاعدة السلطنة هو العدم.
النوع الثالث : من أنواع الإتلاف بالتسبيب ما لو تصرف المالك في ملكه ، تصرفا غير مضر بغيره عادة ، ثم يتضرر غيره به قضاء وقدرا ، وفي ضمانه حينئذ احتمالان ، والمشهور العدم.
قال في الشرائع : لو أرسل في ملكه ماء ، فأغرق مال غيره ، أو أجج نارا فيه فأحرق لم يضمن. ما لم يتجاوز قدر حاجته اختيارا.
وعقبه في الجواهر بقوله : بلا خلاف أجده فيه بل في المسالك الاتفاق وقيد عدم الضمان في الجواهر بعدم ظن التعدي فضلا عما لو اعتقد أو ظن عدم التعدي (١). وقد استدلوا لذلك ، أو يمكن الاستدلال له بأمور :
أولها : الأصل ، بعد عدم التفريط ، وعموم تسلط الناس على أموالهم كما في الجواهر.
وفيه : أنه إنما يصح الاستدلال بالأصل ، إذا كانت قاعدة من أتلف غير ثابتة ، أو كانت ثابتة ، ولم يكن ما نحن فيه من مواردها ، لعدم صحة نسبة الإتلاف إليه نسبة حقيقية لأن هذا النوع من الضرر يعد في نظر العرف من القضاء والقدر لا من أفعال المتصرف في ملكه.
ويؤيده : استقرار طريقة العقلاء ، على عدم ضمان من أجج نارا في منزله أو بيته للاستدفاء أو للطبخ أو لغير ذلك ، ثم هبت ريح عاصفة ،
__________________
(١) الجواهر م ٣٧ ص ٥٩