ولا يجوز حمله على جواب الأمر ؛ لأنّ الأمر وجوابه فيهما شرط وجزاء ، ولهذا يكون «إن» مقدرة فيهما ، وليس ذلك في (كُنْ فَيَكُونُ) ، ولأنّ جواب الأمر غير الأمر مثل قولك : زرني فأكرمك ، وقوله : (كُنْ فَيَكُونُ) واحد ؛ لأنّ الكون الموجود هو الكون المأمور به.
والكسائي ينصب «فيكون» في سورتي النحل ويس (١) وليس على جواب الأمر بالفاء ، ولكن بالعطف على قوله : (أن نقول) (٢) ، و (أَنْ يَقُولَ)(٣).
(أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ). (١١٨)
إنما لم يؤتوا ما سألوا لأنّ صلاحهم فيها ، أو فسادهم أو هلاكهم إذا عصوا بعدها ، أو إصرارهم على التكذيب معها كما فعلته ثمود ، أو لا يعلمه إلا الله.
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ). (١٢٤)
الابتلاء : حقيقته : الاختبار.
ومجازه من الله : تكليف ما يشقّ على الإنسان لينال بفعله الثواب.
ولمّا كان أكثر ما يكلف بعضنا بعضها يجري على الاختبار والامتحان خاطبنا الله بما نتفاهم فيه في هذا الموضع.
وقال أبو بكر الرازيّ (٤) : من العدل أن يعاملنا الله في أوامره معاملة
__________________
(١) قرأ ههنا بنصب «فيكون» : ابن عامر والكسائي في النحل ويس ، ويصح ههنا النصب على جعله جوابا بالفاء للفظ كن إذا كان لفظه لفظ الأمر.
(٢) الآية : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) سورة النحل : آية ٤٠.
(٣) (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) سورة يس : آية ٨٢.
(٤) أحمد بن علي المعروف بالجصاص الحنفي ، كان إمام أصحاب أبي حنيفة في وقته ، وكان مشهورا بالزهد ، وله كتاب «أحكام القرآن» وهو مطبوع. توفي سنة ٣٧٠ ه.