وقراءة «ما ننسخ» (١) لا وجه لها ، لأنّه إن قيل : نسخ وأنسخ واحد فلم نسمع بذلك.
وإن قيل : إنّه همزة النقل ، أي : ما ننزل من آية أو ننسها نأت بخير منها ، فليس كل ما أنزل من القرآن أتي بخير منه. وإن قيل : نحمل على نسخها كقوله : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ)(٢) ، أي : حملها على المجيء ، فليس غير الله ينسخ ليكون هو حامل الناسخ على النسخ ، وكذلك نجدها منسوخة كقوله : (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) ، (٣) أي : وجدوكم ناسين تاركين ؛ لأنّه يقتضي أن يكون النسخ من الغير أو متقدّما على وجوده كذلك.
__________________
(١) قرأ [ما ننسخ] بالضم في النون وكسر السين ابن عامر الشامي وهو أحد القراء السبعة وقراءته هذه متواترة وقد استشكل هذه القراءة أبو علي الفارسي. قال أبو حيان : وجعل الزمخشري الهمزة ـ أي : في أنسخ ـ للتعدية ، قال : وإنساخها : الأمر بنسخها ، وهو أن يأمر جبريل عليهالسلام بأن يجعلها منسوخة بالإعلام بنسخها. وقال ابن عطية : التقدير : ما ننسخك من آية ، أي ما نبيح لك نسخه ، كأنه لما نسخه الله أباح لنبيه تركها بذلك النسخ فسمي تلك الإباحة إنساخا. وخرّج ابن عطية هذه القراءة على تخريج آخر وهو أن تكون الهمزة فيه للتعدية أيضا وهو من نسخ الكتاب ، وهو نقله من غير إزالة ، ويكون المعنى : ما نكتب وننزل من اللوح المحفوظ ، أو ما نؤخر فيه ونترك فلا ننزله ، أيّ ذلك فعلنا فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله. ا ه بتصرف. راجع البحر المحيط ١ / ٣٤٢. ـ فهذه الرواية متواترة وهي توافق وجوها من العربية فلا معنى لإنكارها ؛ إذ شرط القراءة في الأصل لقبولها كما قال ابن الجزري :
فكلّ ما وافق وجه نحو |
|
ولم يكن خلاف رسم يحوي |
وصحّ إسنادا هو القرآن |
|
فهذه الثلاثة الأركان |
وحيثما يختل ركن أثبت |
|
شذوذه لو أنّه في السبعة |
فهذه القراءة حوت الأركان الثلاثة. وأيضا فإنا نوجّه النحو حسب القراءة لأنها سنّة متّبعة ، لا القراءة حسب النحو. فالقراءة المتواترة هي الأساس ، وما عداها فرع.
(٢) سورة مريم : آية ٢٣.
(٣) سورة المؤمنون : آية ١١٠.