لو اقتصر القرآن في مكة على عرض الجوانب الفنية والادبية في الكلام ولم يتعرض لأعراف قريش الجاهلية ، ولم يسفه احلامهم ، ويسب آلهتهم ، لرفعت قريش الرسول فوق اكتافها ، وشمخت بآنافها ، وفاخرت به قبائل العرب وكاثرت به ، ونافرت ، لكن القرآن خاصمهم في كل جانب من جوانب اعرافهم الجاهلية فوقع بينهم وبين القرآن ومبلّغه الرسول ما سنذكره بحوله تعالى بعد ايراد مثالين من أثر القرآن الفكري في الانسان العربي في ما يأتي :
أ ـ قيام قريش لمقابلة الاثر الفكري للقرآن الكريم :
بذلت قريش جهودا ضخمة لصد الأثر الفكري للقرآن المكي عن الناس نذكر منها على سبيل المثال الموارد الآتية :
ذكر ابن عساكر وغيره في ترجمة عتبة ما موجزه قال : ان قريش اجتمعت برسول الله (ص) ورسول الله (ص) في المسجد ، فقال لهم عتبة بن ربيعة دعوني حتى أقوم الى محمّد ، فاكلمه ، فاني عسى أن أكون أرفق به منكم.
فقام عتبة ، حتى جلس اليه ، فقال يا ابن أخي : إنك أوسطنا بيتا وأفضلنا مكانا وقد أدخلت على قومك ما لم يدخل رجل على قومه قبلك ، فان كنت تطلب بهذا الحديث مالا ، فذلك لك على قومك ان تجمع لك حتى تكون أكثرنا مالا ، وان كنت تريد شرفا فنحن مشرفوك ، حتى لا يكون أحد من قومك فوقك ، ولا نقطع الامور دونك.
وان كان هذا عن لمم يصيبك لا تقدر عن النزوع عنه ، بذلنا لك خزائننا في طلب الطب لذلك منه.
وان كنت تريد ملكا ملكناك.
قال رسول الله (ص) : أفرغت يا أبا الوليد؟
قال نعم.
فقرأ (ص) حم السجدة حتى مر بالسجدة فسجد وعتبة ملق يده خلف