«إنها لا تحلّ لأحد من بعدي ، وإنما أحلّت لي ساعة من نهار» (١).
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولا يحلّ إلا ساعة من نهار» (٢).
وقد ادّعى بعض من لا علم له أن هذه الآية نسخت بحديث أنس رضي الله عنه : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر ، فأمر بقتل ابن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة» (٣).
وهذا باطل من وجهين :
الأول : أن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن (٤) ، ولو أجزنا نسخه بالسنة لاحتجنا إلى أن نعتبر في نقل ذلك الناسخ ما اعتبرنا في نقل المنسوخ ، وطريق الرواية لا يثبت ثبوت القرآن.
والثاني : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قد بيّن أنه إنما خصّ بالإباحة في ساعة من نهار ، والتخصيص ليس بنسخ ، لأن النسخ ما رفع الحكم على الدوام كما كان ثبوت حكم المنسوخ على الدوام ، فالحديث دال على التخصيص لا على النسخ. ثم إنما يكون النسخ مع تضاد اجتماع الناسخ والمنسوخ ، وقد أمكن الجمع بين ما ادّعوه ناسخا ومنسوخا وصح العمل بهما ، فيكون قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وقوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) في غير الحرم ، بدليل قوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) وكذلك قوله : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي : في غير الحرم ، بدليل قوله عقيب ذلك (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) [البقرة : ١٩١]. ولو جاز قتلهم في الحرم لم يحتج إلى ذكر الإخراج ، فقد بان مما أوضحنا إحكام الآية ، وانتفى النسخ عنها.
ذكر الآية الثامنة عشر :
قوله تعالى : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة : ١٩٢] اختلف المفسرون في المراد بهذا الانتهاء على قولين :
الأول : أنه الانتهاء عن الكفر.
__________________
(١) أخرجه البخاري (١١٢ ، ٢٤٣٤ ، ٦٨٨٠) ومسلم (١٣٥٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) أخرجه البخاري (١٣٤٩) ـ وانظر أطرافه هناك ـ ومسلم (١٣٥٣).
(٣) أخرجه مالك في «الموطأ» (١ / ٢٨٤ / ٢٤٧) في ـ ٢٠ ـ الحج ، (٨١) جامع الحج. والبخاري (١٨٤٦) و (٣٠٤٤) و (٤٢٨٦) ومسلم (١٣٥٧) وأبو داود (٢٦٨٥) والنسائي (٥ / ٢٠٠ ـ ٢٠١) والترمذي (١٩٦٣) وغيرهم.
(٤) والصحيح من أقوال أهل العلم المحقّقين ؛ أن القرآن ينسخ بالسنة الصحيحة.